الماستر المتخصص: تدبير الموارد البشرية
والمالية للإدارة |
وحدة: مالية
الجماعات الترابية
بحث حول: الرقابة على مالية الجماعات الترابية
غير محيين
تحت
إشراف:
الدكتورة جميلة دليمي
من
إعداد الطلبة :
عبد
الغني جرف |
مراد لكحل |
عبد الحميد آيت اها |
حفيـظ مينــو |
مقدمة:
يعتبر
العمل الرقابي بأصنافه وآلياته القانونية والمادية والعملية، ومجالات تدخله
المتعددة والمتنوعة، وكذا بمراحله المختلفة، أحد أهم أوجه التأثير في النشاط
المالي الترابي، هذا التأثير الذي تختلف مجالاته ومضامينه، بل وحتى درجة تأثيره
على الاستقلال المالي للجماعات الترابية.
فالرقابة على تنفيذ موارد الجماعات الترابية،
تمس بشكل مباشر التدبير المالي الترابي، وبشكل غير مباشر باقي أوجه تسيير الشؤون
الترابية، وهو ما يؤكد أهميتها كمجال للتدخل المركزي في سير ونشاط هذه الهيئات
اللامركزية، مقابل تمتع الجماعات الترابية بدرجة ملائمة من الاستقلال المالي، الذي
تتطلبه ممارسة المهام والاختصاصات الموكولة للهيئات اللامركزية بمختلف أصنافها.
فخضوع الهيئات اللامركزية للوصاية أو الرقابة،
تعد بمثابة استثناء أمام قاعدة الاستقلال الإداري والمالي، و التمتع بالشخصية
المعنوية.. غير أن الإشكالات المرتبطة
بهذا التقابل بين الاستقلالية وحرية التصرف في المجال المالي، والخضوع للرقابة
المركزية، إنما تعبر عن واقع يتميز بتناقض واضح بين غاية تطبيق النظام اللامركزي وحرية
التدبير الترابي للتنمية، وبين إكراهات وثقل الآليات و الأصناف الرقابية، و مدى
تأثيرها على النشاط المالي الترابي. وعموما، فالرقابة على مالية الجماعات
الترابية، والاختلالات التي تعتريها، تقتضي معالجتها، من خلال التطرق (لأنواع
الرقابة ) المبحث
الأول ( وحدود وإكراهات الرقابة ) المبحث الثاني.
المبحث الأول: أنواع الرقابة على مالية الجماعات
الترابية.
إن ممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها
التدبيرية والتنموية، ومدى قدرتها على برمجة الميزانية، إنما يخضع في واقع الأمر
لتدخل رقابي يكتسي أهمية بالغة، بالنظر لمدى تأثيره على التدبير المالي الترابي
وخاصة على مستوى الميزانية، وكذا لتنوع وتعدد آلياته وأشكال ممارسته، من رقابة
إدارية إلى أخرى سياسية فثالثة قضائية، وهذا التصنيف ال يعتمد درجة الأهمية، بقدر
ما يأتي في سياق مدى احترام الاستقلال المالي للجماعات الترابية.
المطلب الأول: الرقابة
الإدارية.
من
أقدم الآليات الرقابية وأشدها تأثيرا على النشاط المالي الترابي، تتقاسمها كل من
وزارة الداخلية، باعتبارها السلطة الوصية قانونا على الشأن الترابي، إلى جانب
وزارة المالية. وتعبر عن مجموع السلطات التي يمنحها المشرع للسلطة المركزية،
لتمكينها من الرقابة على النشاط المالي للجماعات الترابية، بهدف حماية الصالح
العام، حيث يخول هذا الاختصاص عادة إلى الأجهزة الإدارية والمالية التابعتين
لوزارة الداخلية ووزارة المالية. وتنقسم إلى: رقابة قبلية ورقابة مواكبة ورقابة
بعدية.
الفرع الاول: الرقابة القبلية.
تجريها وزارة الداخلية عبر الدوريات والتوجيهات
العامة، والتي تهدف من خلاله إلى وضع قواعد ذات إطار تنظيمي محدد للسياق العام
الذي يحيط بهذه الجماعات، وللوضع الاقتصادي والاجتماعي للبالد ككل، لضمان نوع من الانسجام،
وضبط عملية التقدير، علاوة على تأشيرة وزارة المالية. حيث تهدف إلى ضبط عملية
البرمجة، والتحكم في اتخاذ القرار المالي. فالتدخل المسبق لسلطات الوصاية يطال
مختلف جوانب النشاط المالي الترابي، فهو يبدأ قبل إعداد الميزانية المحلية، ويسري
على مختلف مراحل هذا الإعداد، ويراقب تطبيق المقتضيات القانونية ومختلف التوجيهات
التي تضعها والقواعد التي تقررها. ورقابة مواكبة، تمارسها أيضا وزارتا الداخلية
والمالية، وتختلف آليات إجرائها وممارستها، وتتفرع مجالات الاختصاص والتدخل
المرتبط بها، حسب مراحل تنفيذ العمليات المالية المرتبطة بالميزانية. وهي عبارة عن
منظومة من الإجراءات والوسائل القانونية والتنظيمية، والمعايير والضوابط الموضوعة،
والتي تهدف لضمان تحقيق الأهداف المسطرة، واحترام هذه القواعد والضوابط، وكذا
التأكد من سلامة وصحة تنفيذ العمليات المالية أثناء اتخاذ هذه الإجراءات
التنفيذية، وتنزيلها عمليا، كما تهدف إلى تفادي الخطأ أو مخالفة القواعد القانونية
والمحاسبية. كما تمثل أكثر الأشكال الرقابية إثارة للجدل وأشدها تأثيرا وتوجيها
للفعل الترابي ولبرمجة المشاريع الترابية. وتشمل رقابة القابض الجماعي على الأمر
بالصرف، ورقابة سلطة الوصاية على إجراءات تنفيذ الميزانيات الجماعية. بالنسبة
لرقابة القابض الجماعي على الآمر بالصرف، فتتمثل في تتبع المشروعية المالية للنفقة
الترابية وللتصرفات المالية للآمر بالصرف، بحيث هناك من جهة، المراقبة المالية في
مرحلة مراقبة صحة الاستخلاص ثم مرحلة رقابة صحة الالتزام بالنفقات وصرفها و تقتضي
هذه الرقابة التي يجب أن تفرض على تنفيذ الميزانيات الجماعية من هذا الجانب أن يتم
الفصل العضوي و الوظيفي بين الآمر بالصرف والمحاسب الجماعي، و هو ما أكدت عليه
النصوص التنظيمية.
الفرع الثاني: الرقابة المواكبة.
الفقرة الأولى: رقابة صحة الاستخلاص أو صحة
عمليات المداخيل.
يختص المحاسب الجماعي بالتنفيذ التقني أو
المحاسبي لميزانية الجماعات الترابية. ويتعين عليه بحكم القانون، أن يحرص على
مراقبة صحة المداخيل، وسلامتها وعلى احترامها للنظم والقواعد المحددة، وهذا ما
تؤكده أيضا الدوريات التوجيهية التي تحث المحاسبين على احترام المقتضيات القانونية
والتنظيمية، قبل الشروع في تقييد وتحمل أوامر المداخيل وتحصيلها، و بالتالي يتعين
عليهم التأكد من صحة وسلامة عمليات المداخيل، و يتعلق الأمر أساسا بضرورة إجراء
رقابة على مشروعية المداخيل المقررة، و على تنز يلها و تبويبها بالميزانية ثم
التأكد من تعزيزها بالوثائق المثبتة. وتتم هذه الرقابة التي يجريها المحاسب
الجماعي على األمر بالتحصيل، وفق شكليات ومراحل معينة:
*رقابة
عامة على المداخيل:
وتتعلق بالأساس، بضرورة التأكد من قانونية
المداخيل ومن مطابقتها للمقتضيات المنظمة لجبايات الجماعات الترابية، وكذا الطابع
السنوي لهذه المداخيل، كما تطال أيضا، التأكد من إصدار أمر بالتحصيل، وفق القواعد والشكليات
المحددة تنظيميا، سواء فيما يتعلق بسند التحصيل في حد ذاته، أو فيما يخص مضامينه وقواعد
إعداده.
*رقابة قانونية للمداخيل:
لا يجوز إصدار سند للمداخيل أو اعتماده أو تحمله
أو الشروع في تحصيله، إلا إذا كان قانونيا، محددا في القرار الجبائي للجماعة
الترابية المعنية، مقيدا في الميزانية، ومتضمنا للبيانات والمعطيات التي تقرها
القواعد التنظيمية ذات الطابع الشكلي أو التقني. وبالتالي فإن المحاسب الجماعي،
يتعين عليه أن يتأكد من هذه العناصر الضرورية ويحرص على احترامها وتطبيقها قبل
الشروع في التنفيذ المالي والمحاسبي لهذه المداخيل.
*الرقابة على شكل ومضمون سند
التحصيل:
تعتبر
هذه العملية ذات طابع تقني ومحاسبي، فالمحاسب الجماعي يتأكد من مدى صحة قواعد
تصفية المداخيل وطرق احتساب مبالغها، كما يقوم بمراقبة إصدار سندات المداخيل، وفق
الشكليات المنصوص عليها تنظيميا، وكذا إرفاقها بالوثائق المثبتة قبل تقييدها والشروع
في تحصيلها. إن الرقابة المواكبة التي يجريها المحاسب الجماعي على عمليات
المداخيل، تهدف بالأساس إلى احترام القوانين والقواعد والنماذج المنظمة لهذه
الموارد. وإذا كانت الموارد لا تحظى بمثل الأهمية التي تحتلها نفقات الجماعات
الترابية، فإن ذلك لا يعني عدم إيلاء أهمية لإصدار وتنفيذ عمليات المداخيل، و هذه
الرقابة تقو م بالأساس على التحقق من سلامة و صحة الإجراءات المتعلقة بهذه
العمليات، لكن بالمقابل نجد أن النفقات تخضع لآليات رقابية متعددة الأوجه و
المراحل تبدأ من رقابة سلامة العمليات المالية قانونيا وتطال رقابة صحة الأداء.
الفقرة الثانية: رقابة صحة الالتزام بالنفقات وصحة
أداء النفقات.
تخضع نفقات الجماعات الترابية باستثناء الجماعات
القروية لمراقبة الالتزام بالنفقات، وهذه الرقابة ذات طبيعة خاصة وتتدخل قبل قيام
الجماعة الترابية بتنفيذ إجراءات تنفيذ الميزانية في جانب النفقات، والالتزام
بالنفقة من قبل الجماعة الترابية. وتخضع بالتالي العمليات المالية المتعلقة بتنفيذ
نفقات الجماعات الترابية، لرقابة مواكبة لتنفيذ الميزانية وسابقة لتنفيذها الفعلي،
وتتعلق هذه الرقابة بما يلي:
- التأكد من توفر الاعتمادات بالميزانية:
فالالتزام
بالنفقة يجب أن يتم لزوما في حدود الترخيصات المفتوحة في ميزانية الجماعة
الترابية، ويجب أن يتم على أساس المبلغ الإجمالي للنفقة.
-
احترام تبويب الميزانية:
وتتعلق بالأساس بالتأكد من مطابقة النفقات
المقترح الالتزام بها بالمجال والإطار المحدد لها بالميزانية ولا يمكن بالتالي الالتزام
بنفقة ضمن فصل لا يتعلق بموضوعها ومجال تنفيذها العضوي و الوظيفي سواء تعلق الأمر
بنفقات التسيير أو بتكاليف التجهيز و الاستثمار.
- أن تكون النفقة الملتزم بها مشروعة من الناحية
القانونية والتنظيمية:
وهذا
الشرط في واقع الأمر يطبعه الغموض والعمومية مما يجعل هذه الرقابة قابلة للتدخل في
كل المجالات والعناصر بدون حدود ولا ضوابط، ولم يتم في هذا السياق على الأقل تحديد
هذه النصوص القانونية والتنظيمية في المجال المالي وإنما ترك الأمر على عموميته
مما قد يتناقض مع مبدأ التدخل الرقابي وطابعه الاستثنائي.
إن
الرقابة على الالتزام بالنفقات وإن كانت ذات طابع وقائي ويحدد مجال تدخلها عقب
التعاقد و قبل تنفيذ الالتزام، إلا أنها عرفت بدورها نقاشا واسعا حول جدواها و
ضرورة بقائها على شكلها الحالي خاصة و أن رقابة الالتزام المطبقة على نفقات الدولة
عرفت خلال السنين الأخيرة عدة إصلاحات أدت إلى تبسيط مساطرها و تسريع وتيرة
الإنجاز في المشاريع العمومية، و هو ما غاب عن مجال نفقات الجماعات المحلية التي
بقيت خاضعة لهذه الرقابة بنظامها المطبق منذ سنة 1976 بسلبياته و نواقصه.
الفقرة الثالثة: رقابة صحة أداء النفقات.
يقصد
بأداء النفقة "العمل الذي تبرئ به الجماعة ذمتها من الديون"، ويتم
الأداء وفق مساطر وإجراءات محددة، واحتراما لمجموعة من المقتضيات القانونية و
التنظيمية. وتنصب هذه الرقابة على العناصر التالية:
- التأكد من صحة حسابات التصفية:
يقصد بالتصفية التأكد من حقيقة الدين وحصر مبلغ
النفقة، و لا يمكن تصفية نفقة ووضع حوالة بها إلا بعد إثبات حقوق الدائنين. وفي
هذا الإطار يتأكد المحاسب الجماعي من صحة حسابات التصفية وفق الخدمات المنجزة و من
مطابقة هذه الحسابات للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل.
-
مراقبة الطابع الإبرائي للتسديد:
يعتبر هذا الشرط أساسيا في مباشرة المحاسب
الجماعي لإجراء الأداء الفعلي للنفقة موضوع الأمر بالصرف، لذا فأي أداء للنفقة لا
يجب أن يتم إلا لفائدة الدائن الحقيقي أو من يمثله قانونا. إضافة لهذين العنصرين
الأساسيين في مراقبة صحة الأداء يتعين على المحاسب الجماعي مراقبة مجموعة من
العناصر الأخرى الإضافية قبل الأداء المحاسبي للنفقات:
- مراقبة صفة الآمر بالصرف:
ويتعلق الأمر بالجهاز التنفيذي للجماعة الترابية
المعنية والمؤهل قانونا لتنفيذ العمليات المتعلقة بالميزانية من الأمر بتحصيل
الموارد وبصرف النفقات، وتختلف صفة الآمر بالصرف حسب نوع الجماعة الترابية.
-
التأكد من توفر الاعتمادات:
لا يمكن أداء النفقة من الناحية المحاسبية من
طرف القابض الجماعي إلا إذا توفرت الاعتمادات اللازمة والكافية بالميزانية، وال
يتم الاستمرار بالصرف إلا في حدود الاعتمادات المفتوحة.
- التأكد من توفر الأموال:
خلافا لما هو معمول به بالنسبة لنفقات الدولة،
يجري المحاسب أيضا رقابة على توفر الأموال أو السيولة اللازمة.
-
التأكد من تقديم الوثائق المثبتة للنفقات:
إن الأمر بأداء كل نفقة يجب أن يكون مرفوق
بالوثائق المثبتة لهذه النفقات، وتحدد النصوص التنظيمية هذه الوثائق والمستندات
المثبتة للنفقات بحسب طبيعتها ومجالها.
وإذا كانت هذه الرقابة لم تسلم بدورها من
انتقادات بالنظر لطابعها المسطري وصفتها التقنية، وبالرغم من الأهمية التي تحتلها
رقابة المحاسب الجماعي على الآمر بالصرف، فإن سلطات الوصاية ال ينحصر تدخلها في
المصادقة على الميزانية الترابية وإنما يتعداها ا لمتابعة النشاط المالي الترابي
وتتبع المشاريع الترابية.
ورقابة لاحقة أو بعدية، يغلب عليها الطابع
التحليلي، وهي رقابة إدارية ومالية لاحقة، تقوم بها وزارة الداخلية عبر كل من
المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية في العامة للمالية، حيث ينص القانون
المتعلق بالمفتشين العامين لإدارة الترابية مادته الثانية من الفصل الأول على أنه:
" تناط بالمفتشية العامة لإدارة الترابية مهمة
المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة
الداخلية والجماعات المحلية وهيآتها على أن تراعي في ذلك الاختصاصات المخولة
للمفتشيات التابعة للوزارات الأخرى". وفي هذا الصدد تنص القوانين
التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجماعات الترابية على أن الجماعات الترابية تخضع
لتدقيق سنوي، تنجزه إما المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة
الترابية، أو بشكل مشترك بينهما. وذلك، طبقا لما ورد في المادة 214 من القانون رقم
113.14 المتعلق بالجماعات، والمادة 205 من القانون رقم 112.14 المتعلق بالعمالات
والأقاليم، وهو نفس ما تشير إليه كذللك المادة 248 من القانون رقم 111.14 المتعلق
بالجهات، إلى أنه: "دون الإخلال بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها
العمل في ميدان المراقبة، يمكن للمجلس أو رئيسه بعد إخبار والي الجهة أو بمبادرة
من هذا الأخير إخضاع تدبير الجهة والهيئات التابعة لها أو التي تساهم فيها لعمليات
التدقيق، بما في ذلك عمليات التدقيق المالي. تتولى مهمة القيام بهذا التدقيق
الهيئات المؤهلة قانونا لذلك، وتوجه وجوبا تقريرا إلى والي الجهة [...] يجب على
رئيس المجلس عرض تقارير التدقيق على المجلس بمناسبة انعقاد الدورة الموالية لتاريخ
التوصل بتقرير التدقيق، في حالة وجود اختلالات، وبعد تمكين المعني بالأمر من الحق
في الجواب، يحيل والي الجهة التقرير إلى المحكمة المختصة." وإلى جانب
المفتشية العامة للمالية يمارس هذه الرقابة أيضا، الخازن العام عبر الفروع الجهوية
التابعة للخزينة العامة للمملكة، وذلك اتجاه محصلي المالية الجهويين والإقليميين،
وكذا اتجاه القباض البلديين. علما أنه قبل إحداث المجالس الجهوية للحسابات، كان
الخازن العام يمارس رقابة واسعة، حيث كان يختص بتفويض قانوني بالتدقيق والبت في
حسابات الجماعات القروية، فيما كانت باقي الحسابات تحال مباشرة على المجلس الأعلى
للحسابات.
المطلب الثاني: الرقابة
السياسية.
كانت الرقابة السياسية، على تنفيذ ميزانية
الجماعات الترابية، تتمثل في الاختصاص الرقابي الذي يعود للمجالس التداولية بشأن
الحساب الإداري للموارد والنفقات، الذي يضعه الآمر بالصرف عند اختتام السنة
المالية، والذي يبين بالأرقام كيفية تدبير الميزانية السنوية للجماعة. فالحساب
الإداري سابقا، كان بمثابة الوثيقة، إذ يتم إعداده في آخر كل سنة مالية لتوضيح كل
تغيير طرأ على الميزانية أثناء تنفيذها، سواء بالنسبة لتقديرات المداخيل أو
بالنسبة لاعتمادات المصاريف، فقد كان يمثل المراة العاكسة لمدى نجاعة التدبير
المالي للميزانية الجماعية.
غير أن المستجدات التي تضمنتها القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية، تتحدث على مسالة التدقيق السنوي الذي تنجزه إما
المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو بشكل مشترك
بينهما، بالنسبة للجماعات القروية والحضرية والعمالات والاقاليم، أما بالنسبة
للجهات فالتدقيق السنوي، تقوم به بشكل إلزامي ومشترك، كل من المفتشية العامة
للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية.
المطلب الثالث: الرقابة
القضائية.
تعتبر المحاكم المالية هيئات للرقابة على المال
العام، تناط بها مهام مراقبة تنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات الترابية
بمراحلها المختلفة وأجهزتها المتعددة، وتمثل بالنظر للمقتضيات الواردة في القانون
المنظم لها "محاكم مالية"، تناط بها ممارسة اختصاصات رقابية، قضائية
وإدارية حسب مجال تدخلها. وتسري رقابة
القضاء المالي المركزي، في مجال التسيير على مرافق الدولة والمؤسسات العمومية وشركات
الامتياز والشركات والمقاولات التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية، على
انفراد أو مشاركة مع الجماعات الترابية غالبية الأسهم في الرأسمال أو سلطة راجحة
في اتخاذ القرار. أما رقابة القضاء المالي والجهوي فتهم تسيير الجماعات الترابية
أو الهيئات وشركات الامتياز المحلية والمقاولات والشركات التي تملك فيها الجماعات
الترابية، والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية، بشكل منفرد أو مشترك، غالبية
وهيئاتها الأسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار. ولكي تقوم هذه
المنظومة الرقابية بدورها الفعال، و نظرا لمكانتها المهمة في ممارسة الرقابة على
أعمال الجماعات الترابية، وخصوصا الجانب المالي منها، تم إدراجها في الدستور
المغربي، إذ شكلت منطلقا للارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى هيئة دستورية، مع
ما لهذا الارتقاء من تبعات على مستوى تدعيم اختصاصات عهد إليها هذا الجهاز
الرقابي، و التنصيص على إحداث مجالس جهوية للحسابات بمراقبة حسابات، و تسيير
الجماعات الترابية و هيئاتها. أما بخصوص إحداث المجالس الجهوية للحسابات، فقد تأثر
المشرع المغربي بالنموذج الفرنسي، و المتمثل في إنشاء غرف جهوية للحسابات سنة 1982
في 24 جهة، وهكذا خصت مدونة المحاكم المالية في كتابها الثاني، المجالس
الجهوية للحسابات بمهمة مراقبة التصرفات
الصادرة عن الجماعات الترابية، لتتولى بذلك المهام التي كانت من نصيب المجلس
الأعلى للحسابات. فحسب مقتضيات المادة 126 من مدونة المحاكم المالية، يقوم المجلس
الجهوي للحسابات في حدود دائرة اختصاصه، بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات
الترابية وهيئاتها، وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك رأسمالها
كليا جماعات ترابية وهيئاتها، ومؤسسات عمومية تخضع لوصاية الجماعات الترابية وهيئاتها،
و التي تتوفر على محاسب عمومي. حيث يلزم المحاسبون العموميون بالجماعات الترابية ومجموعاتها
بتقديم حسابات هذه الأجهزة سنويا إلى المجلس الجهوي، و ذلك وفقا للكيفيات المقررة
في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. وبالرجوع إلى المادة 150 من القانون
المتعلق بسن نظام عام لمحاسبة الجماعات المحلية و مجموعاتها، فإنه يتم تقديم
الحساب في 31 مارس على أبعد تقدير، من السنة الموالية للسنة التي تم إعداده بشأنها
من طرف الخازن المكلف بالأداء، إلى رئيسه التسلسلي الذي يحيله إلى المجلس الجهوي
للحسابات المختص، في 31 يوليوز من نفس السنة على أبعد تقدير. كما يلزم محاسبي
الأجهزة الأخرى الخاضعة لرقابة المجلس الجهوي، بأن يقدموا سنويا إلى المجلس الجهوي
بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات، وكذا عمليات الصندوق التي يتولون
تنفيذها، وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. و تمر
مسطرة التدقيق والبت في الحسابات، بثلاث مراحل أساسية، حيث تبتدئ بمرحلة التدقيق
في الحساب، وهي المرحلة التي تفتح فيها المسطرة تلقائيا، و يبدأ عمل المقرر بوصول الحسابات أو البيانات للمجلس الجهوي
للحسابات بتدقيق الحساب من حيث الشكل ومن
حيث المضمون . ومباشرة بعد عملية التدقيق، ومراجعة الحساب والوثائق والمستندات المرفقة
تبدأ عملية التحقيق، التي يعد فيها المستشار المقرر مذكرة، تتضمن جميع الملاحظات
التي توصل إليها أثناء علية التدقيق، وتبلغ إلى كل من الآمر بالصرف أو المراقب أو
المحاسب العمومي أو أي مسؤول آخر، وذلك احتراما لمبدأ مشاركة الأطراف المعنية في
التحقيق، وانسجاما مع طبيعة مسطرة التحقيق التي تكون وجوبا كتابية ويتعين على
هؤلاء الإجابة على هذه الملاحظات داخل أجل شهرين، ماعدا في حالة تمديد استثنائي
يأذن به رئيس المجلس الجهوي للحسابات.
أما المرحلة الأخيرة من مسطرة التدقيق، فهي
مرحلة البت في الحساب، التي تنعقد فيها جلسات المجلس الجهوي وهي جلسات سرية، ويتم
البت في الحساب على مرحلتين:
مرحلة النقاش: ويتم خلالها الاستماع على التوالي
للملاحظات والاقتراحات التي يتضمنها التقرير، الذي أعده المستشار المقرر خلال
مرحلة التحقيق، والاستماع أيضا لآراء المستشار المراجع حول كل اقتراح من اقتراحات
المستشار المقرر. وبعد المناقشة وانسحاب كل من ممثل النيابة العامة إن كان حاضرا
وكاتب الضبط، يتم الانتقال إلى مرحلة التداول.
مرحلة التداول: يفضي تداول الهيئة إلى إحدى
النتيجتين إما:
- أن الهيئة تؤجل اتخاذ قرارها، وتأمر بإجراء
تحقيق تكميلي) أي تعميق البحث (إذا تبين لها من خلال نتائج المناقشة أن التحقيق لم
يفي بالمطلوب.
- والا فإن الهيئة تتداول وتتخذ في شأن كل
اقتراح وارد في التقرير إجراءات يتم تسجيلها من طرف رئيس الهيئة. ويعتبر تقديم
الحساب من الخصائص الفريدة التي يتميز بها القضاء المالي، دونا عن غيره من الأجهزة
الأخرى، ويشكل جزءا من النظام العام، بحيث يتم تقديمه إلى المحكمة المالية سنويا
بشكل تلقائي. ويتمكن المستشار المقرر بالمحكمة المالية من خلاله من القيام بتدقيق
و فحص شامل لجميع العمليات التي تتعلق بتنفيذ النفقات و المداخيل، و من خلاله
تتمكن المجالس الجهوية من بسط رقابتها على كل الجوانب المتعلقة بتسيير الأجهزة
المراقبة، بالإضافة إلى اكتشاف المخالفات والتجاوزات التي تؤدي إلى تحريك المتابعة
التأديبية المالية. ويعمل القضاء المالي، بكل الإمكانات القانونية المتاحة له على
مواجهة هذا الإشكال، وجعل قواعد المساءلة والمحاسبة قيما عادية، ولو باستعمال
وسائل زجرية وردعية. وهذا ما تشير إليه المادة 29 من القانون 62.99 المتعلق بمدونة
المحاكم المالية، والتي تؤكد أنه إذا لم يقدم الحساب أو البيانات المحاسبية أو
المستندات المثبتة في الآجال المقررة، جاز للرئيس الأول، بالتماس من الوكيل العام
للملك، أن يوجه إلى المحاسب العمومي، أوامر بتقديم هذه الوثائق. وما يحكم عليه في
حالة عدم تقديمها ا بغرامة قد تصل كحد أقصى إلى ألف درهم، و قد يحكم عليه كذلك
بغرامة تهديدية أقصاها خمسمائة درهم عن كل شهر من التأخير. وكل إتلاف تعسفي
لمستندات مثبتة ولحسابات، يعرض مرتكبه لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون
الجنائي، حيث يخبر وكيل الملك بذلك الوكيل العام للملك، الذي يرفع الأمر إلى وزير
العدل، قصد اتخاذ ما يراه ملائما، بصرف النظر عن العقوبات التأديبية التي يمكن أن
يتعرض لها المعني بالأمر. ويخبر المجلس من طرف كل من وزير العدل والسلطة التي لها
حق التأديب بالنسبة للمعني بالتدابير التي تم اتخذاها. هذا، ويتضمن حساب الجماعة
الترابية أو المجموعة) الذي يعده الخازن المكلف بالأداء (في شكل تفصيل للميزان
النهائي، تنفيذ ميزانية الجماعة أو المجموعة، كما يشتمل على عمليات مداخيل ونفقات
الميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية وعلى حسابات الخزينة. ويبرز هذا الحساب
الوضعية المالية للجماعة أو المجموعة في نهاية السنة المقدم بشأنها. ويتكون الحساب
من المستندات المثبتة والوثائق العامة التالية
*
نسخة من الميزانية والنسخ المشهود بمطابقتها لأصل المقررات المأذون بموجبها في
تحويل الاعتمادات؛
*
الترخيصات الخصوصية المأذون بموجبها في تقييد اعتمادات إضافية والملحقة ببيان
تلخيصي للترخيصات المذكورة؛
*
نسخة موجزة من محضر الجلسة التي أبدى من خلالها المجلس التداولي رأيه في الحساب
الإداري؛
*
نسخة مشهود بمطابقتها لأصل الحساب الإداري للآمر بالصرف؛
*
قائمة أصول الجماعة المحلية أو المجموعة التي يتعين على الآمر بالصرف تقديمها
للخازن المكلف بالأداء؛
*
ملحق بقائمة الأصول المتضمن شرح أسباب الفرق بين سنة و أخرى فيما يخص كل فصل من
فصول المداخيل المبينة في قائمة الأصول؛
*
قائمة خصوم الجماعة المحلية أو المجموعة؛
*
الحساب المحصور في 31 دجنبر لاستعمال التذاكر أو الصويرات المستعملة لاستخلاص المحصولات
عن طريق الشاسعة؛
*
قرار تعيين الخازن المكلف بالأداء أو الإحالة إلى حساب الجماعة المحلية أو
المجموعة الملحق به هذا القرار؛
وتوجه المستندات المثبتة للمداخيل كل ثالثة أشهر
إلى المجلس الجهوي بالنسبة لعمليات الجماعات الترابية و مجموعاتها. أما بالنسبة
للأجهزة الأخرى، فيمكن التدقيق في هذه المستندات في عين المكان.
المبحث الثاني : إكراهات الرقابة على مالية
الجماعات الترابية.
يتوفر المغرب، في ميدان الرقابة على مالية
الجماعات الترابية، على صرح رقابي تختلف مؤسساته فيما بينها، على عدة مستويات،
سواء تعلق الأمر بالوقت الذي تمارس فيه الرقابة، أو من حيث طبيعتها و إجراء تدخلها ، أو من حيث النطاق الذي ترسمه لنفسها.
لكن على مستوى الممارسة، تتميز هذه البنيات
بهشاشة وضعف أدائه و فعاليته أو شلله، بفعل نفور المسيرين من الرقابة و المساءلة
المالية و انعزال هذه الأخيرة (الرقابة)، أولا عن الرأي العام وسوء تنظيمها و
تخطيطها، و غياب التنسيق بين مختلف أجهزتها، بالإضافة لعدم إشراكها في صيرورة
التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الشاملة، بالإضافة إلى عدم ترسخها في عادات و
تقاليد المجتمع و مؤسساته الإدارية والسياسية والدستورية. وتختلف أسباب ضعف فعالية
الأداء الرقابي بين عوامل خاصة الفقرة الأولى (وأخرى عامة) الفقرة الثانية (زيادة
على تأثير هذا الضعف على السير العادي للجماعات الترابية، و بالتالي على ماليتها (الفقرة
الثالثة).
المطلب الأول: ضعف فعالية
آلية الرقابة.
من بين أسباب ضعف فعالية الرقابة، على مالية
الجماعات الترابية نجد:
الفرع الأول: الوظيفة المزدوجة للقابض الجماعي.
إن الازدواج في وظيفة القابض كمحاسب ومراقب
مالي، تجعله لا يرقى إلى مستوى مؤسسة رقابية، مؤهلة للحفاظ على المال العام
الترابي، وتوظيفه لخدمة التنمية الترابية، فرقابته تبقى محصورة على مراقبة
الملاءمة، و ليس على مراقبة المشروعية، بمعنى أن الرقابة الشكلية للقابض، تبدو
كأنها الهدف خاصة على مستوى الالتزام بالنفقات الترابية، وهكذا يتم إغفال الدور
الأصلي لرقابة القابض، و الذي يتجلى في كونه محاسبا عموميا، ثم إن عملية تنفيذ
الميزانية الترابية التي يقوم بها كل من الآمر بالصرف و القابض، خاصة فيما يتعلق
بالتنفيذ الإداري الذي يقوم به الأول و التنفيذ المالي و المحاسباتي، الذي يقوم به
الثاني، تعطي بعض الامتيازات للآمر بالصرف
على حساب القابض .
بالإضافة إلى هذا، يمكن القول بأن مسألة ملاءمة
النفقة الترابية، توجد في مركز إشكالية الحفاظ على المال العام الترابي، ذلك أنه
يمكن للنفقة العمومية، أن تحترم كل المقتضيات القانونية و التنظيمية، لكنها تبقى
نفقة عشوائية تدخل في استنزاف الأموال ، هذا بالإضافة إلى أن رقابة الالتزام
بالنفقة، تتسم بمسطرتها المعقدة، فإذا
كان من السهل التحقق من توفر عنصر الاعتمادات و صحة التنزيل، بالاستناد إلى
السجلات و الدفاتر المحاسبية التي يمسكها القابض الجماعي، فإن الأمر يبدو سهلا
فيما يتعلق بمطابقة النفقة للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل، لأن من شأن ذلك،
أن يلزم القابض بالرجوع الدائم إلى المصادر القانونية و التنظيمية التي تأذن
بالنفقة أو تحدد قواعدها و شروطها، و هي مهمة شاقة نظرا لتنوع النفقات العمومية، و
بالتالي كثرة النصوص المنظمة لها، هذه الصعوبة ترجع أساسا إلى غياب مدونة جامعة و
شاملة لكافة النفقات العمومية الجماعية.
الفرع الثاني:
قصور الرقابة السياسية للمجالس الجماعية.
إن دور المجالس المنتخبة يبقى محدودا ومحصورا في
مجالات هامشية، لا يمكن أن تؤثر بشكل واضح في تنفيذ الميزانية، و لا أن تمثل رقابة
سياسية حقيقية على التصرفات المالية للجهاز التنفيذي للجماعة الترابية، و هذا
الوضع راجع إلى الاهتمام بدور الأغلبية الجماعية، و الذي لا يتطابق مع خصوصيات
واقع الممارسة الجماعية، الذي يعرف احتكار هذه الفئة للتدبير بإقصائها للأقلية
الجماعية، ومنعها من حق المساهمة في توجيه الشأن الترابي، و هذا راجع لعامل
الاعتبارات الحزبية التي تفقد الرقابة السياسية جانبا من فعاليتها، علاوة على
إفراغ الرقابة السياسية من مضمونها الحقيقي، و الذي يهدف إلى الاتجاه نحو إرساء
منظومة حقيقية لتأطير النشاط المالي الترابي، و تفعيل دور المنتخبين في مجال
المراقبة السياسية التي تعطي مدلولا حقيقيا للنظام اللامركزي بنفسه.
يتضح من خلال ما سبق، أن مراقبة وتتبع تنفيذ
الميزانية الترابية من طرف المجالس المنتخبة، سواء منها الحضرية أو القروية، يبقى
في صميم اختصاص وزارتي الداخلية والمالية أو ممثليها المحليين، وبالتالي يبقى دور
المجالس المنتخبة محدودا بشكل كبير، ولا يمثل رقابة سياسية حقيقية على التصرفات
المالية للجهاز التنفيذي للجماعة الترابية
الفرع الثالث: إشكالية التنسيق بين الأجهزة الرقابية على
الآمر بالصرف.
تهدف الرقابة في ميدان المالية الجماعية، وذلك
بمختلف أشكالها ومراحلها، إلى ضمان احترام مبدأ الشرعية وتحسين مردودية التسيير
المالي الترابي، وهي بذلك تخدم الاستقلال المالي للجماعات الترابية، حيث أنها تحث
على الاستعمال الأمثل للموارد وعدم تبذيرها.
فعلى
المستوى الإداري والمالي، تمارس كل من وزارة الداخلية ووزارة المالية عدة أنواع من
الرقابة بواسطة أجهزة مركزية، وأخرى ترابية.
وتتولى القيام بهذه المهمة عدة أجهزة أولها المفتشية العامة للمالية.
ثاني جهاز تابع لوزارة الداخلية مختص في الرقابة
على الجماعات الترابية، وهو المفتشية العامة للإدارة الترابية، التي خولها نظامها
الأساسي مهمة المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح
الداخلية أو في إطار أعمال تفتيش استثنائية. كذلك تجري المفتشية العامة للمالية
التابعة مباشرة للوزير المكلف بالمالية، سلطات تفتيش واسعة، تشمل مراقبة مصالح
الصندوق والمحاسبة، وهي ذات طابع مفاجئ.
ثاني جهاز تابع لوزارة المالية هو الخزينة
العامة للمملكة، التي تتولى الرقابة على تنفيذ الميزانية الجماعية، انطلاقا من
السلطة التي يمارسها الخازن العام للمملكة على محصلي المالية الجهويين و
الإقليميين، وكذلك على قباض الجماعات وعلى مستوى غياب التنسيق و تداخل الاختصاصات
بين المجالس الجهوية للحسابات ووزارة المالية، فحسب مقتضيات الفقرة ،1 المادة 8 من
القاـنون ر قم 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف و المراقبين الماليين،
والمحاسبين العموميين، يلاحظ أن المشرع، أناط بوزير المالية، بصفته رئيسا تسلسليا
للمحاسبين العموميين، بناء على نتائج أعمال المراقبة التي تقوم بها الأجهزة
التابعة له، إمكانية إثارة مسؤولية هؤلاء، و الحكم عليهم بأداء المبالغ التي
تسببوا في ضياعها، بمعنى أن وزير المالية، يؤدي نفس الوظيفة المنوطة بالمجالس
الجهوية للحسابات في مواجهة محاسبي الجماعات الترابية، أي أن لهما نفس الاختصاص في
مجال التدقيق و البت في الحسابات .
المطلب الثاني: ضعف
الأداء الرقابي على المستوى العام.
سنركز في هذا الجانب، على محدودية السلطة
الزجرية من جهة، وغياب التنسيق وتدخل الاختصاص من جهة ثانية.
الفرع الأول: محدودية السلطة الزجرية.
اعتبر المشرع الجنائي المغربي تبديد أو اختلاس
أو احتجاز المال العام جناية يعاقب عليها بالسجن، تصل عقوبته إلى 20 سنة بالإضافة
إلى غرامة مالية. أما في مدونة المحاكم المالية، فإن المشرع يستعمل فقط مصطلح
مخالفة، وفي هذه الحالة، فإن استعمال مصطلح "مخالفة" يحتمل معنيين.
المعنى الأول: أن المشرع
يقصد بمصطلح مخالفة تعلق الأمر بمجرد مخالفة، فإن ذلك يحرك ويجر إلى المسؤولية
المالية، وفي هذه الحالة لا إشكال وينبغي فقط مراعاة المزيد من الوضوح في الصياغة،
حتى لا يثير ذلك أي لبس أو غموض.
المعنى الثاني: وهنا التخوف أن يكون المقصود
باستعمال مصطلح مخالفة الدلالة على بساطة الفعل المرتكب، وفي هذا تبخيس للمسؤولية
المالية واستهانة بحرمة وقدسية المال العام، وانتقاص من مجهودات القاضي المالي.
حتى لو افترضنا أنها مجرد مخالفات بسيطة لا ترقى إلى مستوى الجريمة بمفهومها
الجنائي، فإن آثارها سلبية وعميقة على المجتمع.
فالمساس
بالمال العام لا يتعلق فقط بجرائم الموظفين، وانما يتجاوز ذلك إلى المساس بحقوق
المواطنين جمعاء.
عموما، كان من باب أولى على المشرع المغربي على
الأقل استعمال لفظ الأفعال الماسة بحرمة المال العام، حيث أن من شأن ذلك أن يحدث
رهبة وردعا في نفسية كل من تسول له نفسه المساس بحرمة المال العام، وأيضا للدلالة
بوضوح على خطورة وشناعة الفعل المرتكب
الفرع الثاني: غياب التنسيق وتداخل الاختصاص.
يظهر تداخل الاختصاص، على مستوى رقابة وزارة
الداخلية في مجال المصادقة والتأشير، على عدد هام من أعمال و قرارات الجماعات
الترابية، حيث تبرز إشكالية مسؤوليتها، بمعنى هل خضوع هذه المقررات والأعمال
لمصادقة سلطة الوصاية يجعلها مشاركة في اتخاذها بكل استقلالية، خاصة أن هذه
الوصاية لا تقتصر على جانب المشروعية، بل تتعدى ذلك إلى مراقبة الملاءمة وخاصة
جانب السعي إلى حماية المال العام. أما بخصوص تأثير سلطة الوصاية، في ممارسة
المجالس الجهوية للحسابات، لبعض اختصاصاتها، فإنها تلعب دورا كبيرا في تحديد
برنامج هذه المجالس، فيما يخص مختلف أوجه المراقبة، خاصة بالنسبة للاختصاصات ذات
الطابع الإداري، ذلك أن التقارير التي تحررها المجالس الجهوية للحسابات يتم
توجيهها لسلطة الوصاية و بالتالي يتوقف الأخذ بهذه التوصيات و الاقتراحات على
السلطة التقديرية لهذه السلطات، وهنا يبرز عدم التكامل والتنسيق بشكل واضح بين
هذين الجهازين.
المطلب الثالث: آثار
الرقابة المالية على الجماعات الترابية.
سنعمل في هذا الشق، على التطرق لأهم آثار
الرقابة الإدارية على تنفيذ الميزانية الترابية، ثم الآثار الناجمة عن رقابة
القضاء المالي. فبالنسبة لآثار الرقابة الإدارية فيمكن تحديديها في الـتأثير على
مسلسل التنمية الترابية ودور الاعتبارات الحزبية في تحجيم الاداء السياسي للمجلس
الجماعي.
الفرع الأول: التأثير على مسلسل التنمية الترابية.
لقد أبانت الممارسة الترابية، العديد من المشاكل
والعوائق، حالت دون تطور العمل الجماعي ومسايرته للواقع الذي يطبعه التطور السريع،
وما يفرضه الدخول في عصر العولمة. وقد كان لضعف الرقابة المالية، الأثر البالغ في
استفحال ظاهرة سوء التسيير المالي، بفسح المجال لبعض المسؤولين الترابيين،
المفتقدين للوعي بالمصلحة العامة، للتلاعب بأموال الجماعة، وإغفال تحصيل بعض
المداخيل المستحقة لها، إما بسبب جهل التقنيات المالية، واما لأسباب سياسية أو
شخصية، الشيء الذي أدى إلى ضعف والموارد المالية الذاتية، وحرم الجماعات من إحدى
الوسائل التدخلية الأساسية للنهوض بالتنمية الذاتية الترابية.
لذلك تعتبر أزمة الموارد المالية أهم إشكالية،
تعترض سبيل التنمية، بسبب الإنفاق العشوائي غير التنموي، وضعف التحصيل المؤدي إلى
ما يسمى بتراكم الباقي استخلاصه، الذي أصبح له الأثر الكبير في عملية التنمية،
وجعل الجماعات دائمة الصلة والتبعية للوزارة الوصية، مما يمس بالمبدأ الأساسي الذي
تقوم عليه أي جماعة ترابية، والاستقلال المالي الذي يبقى بعيد المنال لمجمل
الجماعات.
و لتجاوز ذلك، تلعب المجالس الجهوية للحسابات
دورا كبيرا في عقلنة تدبير المالية الترابية، من خلال تتبع وتقييم الجوانب المادية
و الكفاءة في التسيير المالي الجماعي، شريطة توفير ظروف العمل الملائمة، للتغلب
على بعض العراقيل التي قد تحد من أدائها كقلة الموارد البشرية، مشكل التنسيق مع الأجهزة
الرقابية الأخرى...، لأن بعض الاختصاصات المنوطة بها كالتدقيق و مراقبة التسيير،
تؤهلها لجعل الجماعات الترابية مواكبة لعملية تدبير الشأن العام المحلي، على ضوء
الحلول و البدائل التي تخولها لأصحاب القرار الترابيين حيث تعود لهم سلطة التقويم،
من خلال تنفيذ الإجراءات التصحيحية المقترحة.
الفرع الثاني: الأداء السياسي للمجالس الجماعية.
الواقع أن الرقابة السياسية المنوطة أساسا
بالمجلس الجماعي، تبقى غير مستوفية لشروط الممارسة على المستويين القانوني والموضوعي،
فالاعتبارات الحزبية تشكل أهم الأسباب في تحجيم الدور السياسي للمجلس الجماعي،
خاصة من خلال اعتبارين أساسيين:
-
السلطة القانونية للأغلبية الجماعية.
-
الإقصاء الفعلي للأقلية الجماعية.
فبالنسبة للاعتبار الأول، تبتدئ الأهمية التي
تحوز عليها الأغلبية الجماعية على المستوى الترابي، في الاهتمام القانوني الذي
أولاه القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، لدورها
في آليات التسيير الجماعي. إلا أن هذا الاعتراف المبدئي بدور الأغلبية الجماعية،
على المستوى القانوني لم يتطابق مع خصوصيات واقع الممارسة الجماعية نتيجة، لتأثير
عامل الانتماءات الحزبية، وارتباط ذلك بالمستوى السياسي العام الذي يحتاج إلى درجة
كبيرة من الوعي الديمقراطي والاعتراف بوجود المعارضة. وعلى العموم، فإن الرقابة
السياسية للمجلس الجماعي، والتي تعتمد كأصل قانوني على دور الأغلبية، تبقى محدودة
جدا في إقرار التوجهات الجماعية.
أما بالنسبة للاعتبار الثاني، فإنه رغم الأهمية
القانونية التي تحوزها الأغلبية، في تسيير دواليب الشأن الترابي، فإن الأقلية يلزم
أن تتوفر مع ذلك على حقوق المساءلة و المساهمة البناءة في توجيه الشؤون العامة
للجماعات الترابية. فالأغلبية والأقلية داخل المجلس الجماعي، هما في الحقيقة وجهان
لعملة واحدة، أي أن عملها يحقق التكامل المفروض أن يثري العمل الجماعي، ويوفر له
الأرضية الصلبة للتطور و الترسيخ، لذلك فإن حضور الأغلبية بالمجلس الجماعي في غياب
أقلية قادرة على معارضتها، و مسلحة بالإمكانيات الضرورية للقيام بهذه المهمة من
قدرات فكرية، و من حرية في العمل السياسي، يفقدها في حقيقة الأمر موجها مهما
ومنذرا بعواقب سلبيات احتكار القرار الترابي.
الفرع الثالث: رقابة القضاء المالي.
تعتبر الرقابة، أداة ووسيلة مهمة لترشيد و عقلنة
تدبير الموارد وحمايتها، من التلاعبات والاختلالات، عن طريق التركيز على المحاسبة
والمساءلة، وكذا على تقييم وتقدير أداء الإدارات العمومية. ولأجل ذلك، عمل المغرب
على إحداث القضاء المالي الجهوي من أجل تدعيم مراقبة القرب، وتعزيز لمسلسل
اللامركزية مع عدم التمركز، فضلا عن تجاوز سلبيات ونواقص الاتجاه التقليدي
الكلاسيكي للرقابة على الأموال العمومية، واعتماد تقنيات وأساليب معاصرة. في أثرين
متلازمين في الآن نفسه: ويمكن إجمال أهم الآثار - يتمثل الأول في انحصار الرقابة
عمليا في الحساب الإداري المرفوض .
-
أما الثاني فيتمحور حول إضعاف سلطة المجلس الجهوي للحسابات، في مجال الرقابة، على
إجراءات تنفيذ الميزانية الجماعية. فيما يخص النقطة الأولى، فبالرغم من أهمية
الرقابة على إجراءات تنفيذ الميزانية الجماعية، من الناحية النظرية، إلا أنه على
المستوى الميداني، يظهر أن حضور المجلس الجهوي للحسابات فيما يخص هذه الرقابة يبقى
متواضعا. فبالرجوع إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات لسنوات ،2005 ،2006 ،2007
وكذا تقرير ،2009 يتبين أن المجلس الجهوي للحسابات لم يراقب من إجراءات تنفيذ
الميزانية، سوى الإجراء المتعلق بالحساب الإداري المرفوض، كما كنا معمول به سابقا.
في حين أن الغرف الجهوية للحسابات بفرنسا، في مجال الرقابة على القرارات المتعلقة
بالميزانية، تتلقى طلبات متنوعة في هذا الصدد، مما مكنها من إبداء آرائها بشأن
جميع الحالات التي ينص عليها التشريع الفرنسي. لكن في المغرب، لماذا هناك انحسار
في رقابة المجالس الجهوية للحسابات على إجراءات تنفيذ الميزانية؟ ما يمكن القول هو
أن سلطة الوصاية تؤشر على عدد هام من مداولات المجالس الترابية، كما تملك أيضا
سلطة إحالة هذه القضايا على المجلس الجهوي للحسابات، لذلك فسلطة الوصاية، تتكفل
تلقائيا بمعالجة ما قد يعترض إجراءات تنفيذ الميزانية من إشكالات، إلا أنها
بالنسبة للحساب الإداري وخاصة الجماعات القروية و الحضرية، لم تستطع السيطرة على هذه
الظاهرة التي تعتبر أحد الإشكالات الرئيسية التي تعرفها الممارسة المالية
الترابية. لذلك، فإنه بعد أن كانت سلطة الوصاية تنفرد بتقرير مدى موضوعية أو عدم
موضوعية قرار رفض الحساب الإداري، بناء على معايير تخصها، نص المشرع في المادة 143
من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، على إحالة الحساب الإداري
غير المصادق عليه على المجلس الجهوي للحسابات. ويبدو أن الأمر يتعلق برغبة المشرع
في إضفاء صبغة شرعية على مواقف سلطات الوصاية، من إشكالية رفض المصادقة على
الحسابات الإدارية، و ذلك من خلال جعل هذه المواقف تستند إلى آراء أجهزة مستقلة
متمثلة في المجالس الجهوية للحسابات. فمشكل رفض الحساب الإداري، يفوق مسألة مخالفة
قواعد قانونية، بحيث توجد اعتبارات بسوء التدبير، كما توجد أيضا اعتبارات أخرى قد
تكون شخصية أو سياسية، أو حتى مادية. فكما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين، تشكل لحظة
التصويت على الحساب الإداري، كآلية لمراقبة حصيلة التدبير المالي لرئيس المجلس
الجماعي، من طرف أعضاء هذا المجلس، وسيلة لابتزاز الرئيس، و الحصول على بعض الامتيازات
بغض النظر عن تسييره الجيد لشؤون جماعته أم لا .
فما يجب على القاضي المالي، مراقبته هو المضمون
المالي للقرارات المتعلقة بتنفيذ الميزانية، و ليس فقط المطابقة القانونية، وهذا
يتطلب منه أن يركز في ممارسة الرقابة على الجوانب المتعلقة بالنتائج، و ذلك في
إطار تجاوز المفهوم التقليدي للرقابة، و أيضا حتى يتسنى له أن يقوم بدوره التحكيمي
في مد الجماعات الترابية وهيئاتها بالإرشادات و التوجيهات التي من شأنها أن تعود
بالنفع على التدبير الترابي.
و
على ضوء تقلص مجال تدخل المجلس الجهوي للحسابات في الرقابة على إجراءات تنفيذ
ميزانيات الجماعات الترابية وهيئاتها، تبرز حقيقة أخرى تتمثل في إضعاف دور أو سلطة
المجلس في هذا المجال. و هذا ما سيتم التطرق له، كنقطة ثانية في مجال رقابة القضاء
المالي؟ لا مجال للشك في أن المجلس الجهوي للحسابات بحكم تواجده على المستوى
الترابي من خلال مختلف الاختصاصات المسندة إليه، قد أصبح شريكا أساسيا في التنمية
الترابية. إلا أنه- على المستوى العملي- لا زال غير قادر على بلورة هذا الدور إلى
واقع ملموس في مجال المساهمة في تحسين شروط تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية و
هيئاتها، و مرد ذلك راجع إلى وجود عدة حدود و عوائق، ويبقى العائق الأساسي و
الأكثر تأثيرا على مردودية المجلس الجهوي للحسابات، في مجال رقابته على تنفيذ
ميزانيات الجماعات الترابية و هيئاتها، يرجع بالأساس إلى محورية وثقل تواجد سلطة
الوصاية على المستوى الترابي، و الذي تترجم من خلال ما يمكن تسميته "
بالامتيازات" التي منحها المشرع لسلطة الوصاية و التي أضعفت سلطة المجلس
الجهوي للحسابات، حيث لا يمكن لهذا الأخير أن يحرك ساكنا إلا إذا أرادت سلطة
الوصاية ذلك، وفي الملفات التي تقرر إحالتها عليه مع احتمال عدم تنفيذ آرائه بخصوص
هذه القضايا. و من أجل فهم هذا التأثير، وجب استحضار مسألتين هامتين:
المسألة الأولى تتعلق بمحدودية مكانية التداخل
بين السلطة مبدأ فصل السلط، وا التشريعية والتنفيذية والقضائية.
أما المسألة الثانية فتتعلق بطبيعة العلاقة
المركزية - الترابية، نظرا للتواجد القوي لبعض الأجهزة المركزية على المستوى
الترابي، من ضمنها وزارة الداخلية، التي بالإضافة إلى مهامها الكلاسيكية و
المرتبطة أساسا بالأمن و الحفاظ على النظام العام، تضطلع بمهام أخرى مرتبطة بجمع
المعلومات، ومراقبة الجماعات الترابية و الساكنة بشكل عام . وعموما، فالرقابة
المفروضة على مالية و ميزانية الجماعات الترابية، بتعدد آلياتها ووسائل تدخلها،
وتأثيرها على ممارستها لاختصاصاتها، بقدر ما تعتبر أساسية، ومن أهم مبادئ النظام
اللامركزي، تعتبر بمثابة محدد للنشاط المالي الترابي، ومقلص لاستقلال المالي
للهيئات اللامركزية.
فالتقابل
بين الاستقلال المالي للجماعات الترابية والرقابة المفروضة عليها، يجد أساسه في
قياس درجة الرقابة، وتدخل السلطات المركزية في مراقبة النشاط المالي الترابي أو
التأثير عليه أو حتى توجيهه، فكلما ازدادت إكراهات الرقابة، وثقل تدخلها و تأثيرها
في التدبير المالي للجماعات الترابية، كلما تقلصت درجة استقلالها المالي الفعلي
والواقعي، وبقيت رهينة التوجهات المركزية الإدارية والمالية. فثقل الرقابة، والأهمية
التي يكتسيها التدخل الرقابي للسلطات المركزية، على التدبير المالي الترابي، يقابل
الاستقلال المالي للجماعات الترابية ويعد بمثابة المقابل الموضوعي والواقعي لتخويل
الجماعات الترابية حق ممارستها لاختصاصاتها، و ممارستها لمهامها بالحرية اللازمة
وبالقدرة الملائمة والمناسبة على اتخاذ القرار المالي وتنفيذه. وهذا التقابل يعتبر
من أهم الإشكالات المتعلقة بمناقشة الاستقلال المالي للهيئات اللامركزية بالمغرب،
ولا تقتصر هذه الاشكالات على التدخل الرقابي المباشر وحدود ممارسة الجماعات
الترابية لاختصاصاتها التنموية، إنما يطال بشكل أساسي مجال التمويل الذي يعد من
أهم العناصر المؤثرة في القدرات التدبيرية للجماعات الترابية، مما يعتبر بدوره
تدخل السلطات المركزية في التدبير المالي الترابي أو توجيهه، وهو ما يطرح بدور ه
إشكالات عدة تتعلق من جهة بحدود الاستقلال المالي للجماعات الترابية، ومن جهة
بالضمانات القانونية و المالية لتعزيز هذا الاستقلال، و جعله واقعا قانونيا و
فعليا.
خاتمة:
الرقابة
الإدارية تحتاج لأساليب حديثة، تتجاوز بها الرقابة الكلاسيكية التي ترتكز في
الغالب على المراقبة الشكلية من خلال التأكد من مشروعية العمليات المالية
ومطابقتها للقوانين بدل الاهتمام بمراقبة الكفاءة في الأداء، وما تقوم عليه من
إجرائية واقتصاد في الوسائل. أما الرقابة الخارجة عن الإدارة والتي تراقب العمليات
المالية سواء قبل أو بعد إنجازها، وتقوم بها أجهزة كلفها المشرع بذلك، فإنه يتوخى
منها تجاوز الثغرات التي تعرفها الرقابة الإدارية الداخلية، نظرا لعدم استقلالية
الأجهزة القائمة بالمراجعة والتفتيش وكذا المحاسبة الشيء الذي يبعدها عن النزاهة
والشفافية والفعالية.
لائحة المراجع
الكتب:
* محمد السنوسي معنى
مالية الجماعات المحلية بالمغرب .
* محمد حركات، دور
المجالس الجهوية للحسابات في تفعيل التدبير الجيد للشأن العام المحلي،
* محمد براو، مساهمة في
التأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال العام".
* المهدي بنمير، الجماعات
المحلية والممارسة المالية بالمغرب.
الاطروحات والرسائل:
* سميرة بوزردة ،
"دور الجالس الجهوية للحسابات في مراقبة المالية المحلية"، رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة،كلية الحقوق الدار البيضاء.
* حنان القادري، دور
المجالس الجهوية للحسابات في مراقبة مالية الجماعات الترابية – دراسة مقارنة-،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية
والإجتماعية، سلا، السنة الجامعية 2015-2016 .
المجلات:
* محمد حمزة بو لحسن،
الحكامة من خلال القضاء المالي، مجلة دراسات ووقائع دستورية، العدد 10 سنة 2010
.
* عبد اللطيف بروحو،
مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية: منشورات المجلة
المغربية للإدارة المحلية والتنمية، "سلسلة مواضيع الساعة"، العدد 70
سنة 2011.
* المصطفى دليل،
"المجالس الجماعية وعلاقاتها العامة"، منشورات المجلة المغربية للإدارة
المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة،عدد93.
* هشام الحسكة، القضاء
المالي الجهوي وحكامة الجماعات الترابية، دراسة في اختصاص افتحاص مراقبة تسيير
الجماعات الترابية، المجلة المغربية للسياسات العمومية عدد 14/2015.
نصوص قانونية :
* الظهير الشريف رقم 1.59.269 بشأن التفتيش
العام للمالية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2478،بتاريخ 22 أبريل 1960.
* القانون رقم 62/99 المتعلق بمدونة المحاكم
المالية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
1.02.124 بتاريخ 13 يونيو 2002 الصادر بالجريدة
الرسمية عدد 5030 بتاريخ 15 غشت2002.
* القانون رقم 61/99 المتعلق بتحديد مسؤولية
الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين، بتاريخ 13أبريل 2002 ،الجريدة
الرسمية رقم 4999 بتاريخ .29 أبريل2002.
* مرسوم رقم 2.09.441 صادر في 14 محرم 1431( 3
يناير 2010)بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية و مجموعاتها، الجريدة
الرسمية 5811( 8فبراير2010 ،).
* المرسوم رقم 2.94.100،صادر في 6 محرم
1415(16 يونيو 1994 ،)في شأن النظام الأساسي الخاص بالمفتشين العامين للإدارة
الترابية، بوزارة الداخلية، الجريدة الرسمية عدد 4264 ،بتاريخ 20 يوليوز 1994.
* المرسوم رقم 555..1.8 صادر بتار يخ 58 محرم
5531 ( 3 يناير8151 ) بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها،
الجريدة الرسمية عدد 1255 ،بتاريخ 38 صفر 5535( 2 فبراير8151 ،).
* مرسوم محاسبة
الجماعات الترابية لسنة 2010.
ليست هناك تعليقات:
كتابة التعلقيات