السبت، 4 مايو 2024

عرض تحت عنوان: التقنيات المعتمدة لتحرير الدستور

 

الماستر المتخصص: تدبير الموارد البشرية والمالية للإدارة

مادة الصياغة القانونية والإدارية

عرض تحت عنوان:

التقنيات المعتمدة لتحرير الدستور


 

تحت إشراف:

الدكتورة نجاة خلدون

من إعداد الطلبة :

 

 

 

 

محمد برير

عبد الغني جرف

حفيظ مينو

 

 

 

 

السنة الجامعية: 2023 / 2024

المقدمة

يقول الفقيه الدستوري الفرنسي جورج بيدو: يعتمد مصير الأمة على ثلاثة عوامل رئيسية: دستورها، طريقة تنفيذه، ومدى الاحترام الذي يبعثه في النفوس.

تميزت العلاقات البشرية منذ ان توصل الانسان للعيش في إطار مجموعات بالصراع المتواصل حول الزعامة وتنظيم العلاقات أفراد المجتمع، سواء داخل الاسرة أو القبيلة أو المدينة أو الدولة، وتطورت هذه الصراعات بتطور شكل المجتمعات فانتقلت السيادة والسلطات التي كانت بيد الحاكم في العصور القديمة والوسطى الى يد الشعب في العصر الحديث، ويطلق الفقيه الدستوري المصري عبد الفتاح ساير اصطلاح المشكلة الدستورية على هذا الصراع بين الحاكم والمحكوم، ويرجع تفضيله لهذا الاصطلاح إلى أن نظام الحكم هو مظهر حل المشكلة الدستورية وبعبارة اخري تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو التوفيق بين السلطة والحرية.

ويتفق الفقه الدستوري أن للدستور معنيين معنى موضوعي او مادي باعتباره مجموعة قواعد متعلقة بنظام الحكم وحقوق وحريات الأفراد ومعنى شكلي باعتباره الوثيقة أو الوثائق التي يطلق عليها اصطلاحا اسم الدستور ويتميز عن باقي التشريعات بقَالَبِه الخاص والمتميز، وعلى هذا الأساس فأن المشاكل التي يثيرها الدستور بالمعنى المادي تعتبر مشاكل له طابع سياسي، بينما المشاكل التي يثيرها الدستور من ناحية الصياغة القانونية تعتبر مشاكل شكلية .

وعليه تستوجب عملية الصياغة القانونية لمضامين الدستور خبرة فنية عالية في المجال القانوني وفي المجال اللغوي. فهي عملية تقنية بحتة. وهي تشكل جزءا لا يتجزأ من عملية صياغة مشروع الدستور ككل ولا تقل عملية الكتابة القانونية لمضامين الدستور أهمية عن عملية تحديد مضامين مشروع الدستور الجديد. وتزداد أهمية هذه العملية في المراحل الأخيرة من مسار كتابة النص الدستوري، باعتبار أن ما سيقع اعتماده من مصطلحات وعبارات قانونية خلال هذه المرحلة من الأرجح أن يضمن في الوثيقة الدستورية النهائية التي ستعرض للمصادقة وستنفذ كدستور للبلاد.

وسنتناول في هذا البحث موضوع الصياغة القانونية للنص الدستوري من خلال ثلاث نقاط.

 تتعلق النقطة الأولى الصياغة القانونية للنص الدستوري والذي سوف نتناول في مطلبه الأول :  قواعد الصياغة القانونية للمواد الدستورية ومطلبه الثاني:  الأساليب المعتمدة لصياغة المواد الدستورية.

أما النقطة الثانية فسوف نقوم بقراءة نص الدستور من حيث الشكل ومن حيث الصياغة بشكل خاص.

لكن قبل هاتين النقطتين لا بد أن نذكر عبر مبحث تمهيدي طرق وضع الدستور وأنواعه وإجراءات تعديله.

 

المبحث التمهيدي: طرق وضع الدستور وتعديله

المطلب الاول: طرق وضع الدستور

يختلف فقهاء القانون الدستوري بشأن تصنيف أساليب وضع الدساتير، إذ هناك من يميز بين الأساليب غير ديموقراطية ، وهي المنحة والميثاق التعاقدي، والأساليب الديموقراطية، وهي الجمعية التأسيسية، والاستفتاء التأسيسي. وهناك من يميز بشكل عام بين الأساليب غير الديموقراطية والأساليب الديموقراطية.

الفقرة الأولى: أساليب غير ديموقراطية

في هذا الأسلوب الذي اتبع في الدول الملكية لنشأة الدستور يلاحظ وجود وسيلتين بارزتين ترتبط كل منهما مبدئيا حسب مراحل تطور الوضع السياسي في الدولة المعينة. فهنالك طريقة المنحة او ما يسمى بالدستور الممنوح وهناك وسيلة أو طريقة العقد.

أولا: أسلوب المنحة

المنحة أو الدستور الممنوح هو الذي يصدره الحاكم بمبادرته، ومن جانب واحد، دون مشاركة لأي طرف آخر . ففي الأنظمة غير الديموقراطية، تتجسد السلطة التأسيسية الأصلية في رئيس الدولة، ملك أو ديكتاتور أو مجموعة من الأشخاص الذين يتولون السلطة، ويتفضل الحاكم بإرادته لمنح " دستور " دون مشاركة الشعب.

يتميز هذا الأسلوب بانفراد الحاكم في منح الدستور، وفي وضعه، او الاشراف على وضعه، دون استشارة أي مؤسسة أخرى، ودون مشاركة الشعب . وإذا كان هذا الأسلوب يعبر من الناحية القانونية عن الإرادة المنفردة للحاكم فانه من الناحية السياسية ، يمكن اعتبار وضع الدستور من طرف الحاكم ومنحه للشعب بمثابة تقييد لسلطته، حيث الحكم يتم من خلال دستور ينظم السلطات ويبين اختصاصاته، وهذا في حد ذاته بعد تحديدا لسلطاته وتقييدا لها، اذ في الغالب يكون منح الدستور تنازلا من الحاكم تفرضه الظروف الوطنية او الدولية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ثانيا: أسلوب العقد

في هذا الأسلوب لا ينفرد الملك أو الحاكم بممارسة السلطة التأسيسية الأصلية التي تملك كما ذكرنا صلاحية وضع الدستور، وإنما يشاركه فيها الشعب ولذا يصدر الدستور وفقا لهذه الطريقة بمقتضى اتفاق أو عقد يتم بين الملك والشعب وقد ظهر هذا الأسلوب في مرحلة التوازن بين قوة الحاكم التي ضعفت ولكنها لم تضمحل وقوة الشعب التي تعاظمت ولكنها لم تسيطر تماماً.

ويسجل هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام في الطريق نحو الديموقراطية، فالدستور وفقا لهذا الأسلوب لا يصدر بالإرادة المنفردة للحاكم، وإنما بواسطة عمل مشترك بين الحاكم والهيئات النيابية الممثلة للشعب، بحيث تتفق إرادتهما على ذلك.

الفقرة الثانية : أساليب ديموقراطية

يمكن تعريف الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير، بأنها الأساليب التي تستأثر الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكاً كان أو أميراً أو رئيساً للجمهورية. وتعبر هذه الأساليب عن انتصار إرادة الشعوب وانتقال السيادة من الحاكم إلى الأمة أو الشعب الذي أصبح وحده صاحب السيادة في الدولة، ولهذا فإن دساتير هذه المرحلة تتميز بطابعها الديموقراطي، نظراً لانفراد الشعب بممارسة السلطة التأسيسية الأصلية.

والدساتير التي توضع وفقاً لهذه الأساليب تصدر عن طريق جمعية تأسيسية أو استفتاء دستوري.

أولا: أسلوب الجمعية التأسيسية

مضمون هذا الأسلوب ان تقوم الأمة بانتخاب هيئة خاصة تتولى وضع الدستور باسمها ونيابة عنها، تسمى هذه الهيئة بالجمعية التأسيسية ويعتبر الدستور صادر ونافذ بمجرد اقراره من الجمعية التأسيسية دون أن يتوقف ذلك على تصديق أو موافقة طرف آخر .

كما لا يجوز أيضاً أن تقوم السلطة التشريعية العادية ولو كانت منتخبة بوضع الدستور . لأن مهمتها تكمن في وضع التشريع العادي . ولها الحق في تعديل بعض مواد الدستور ومصدر هذا الحق هي نصوص الدستور. وليس التشريع الدستوري لأن الاخير هو الذي ينظمها ويحدد عملها وليس العكس . ثم إن عمل الهيئة التأسيسية ينتهي بانتهاء إقرار الدستور

ويشترط الفقه الدستوري عدة شروط في الجمعيات التأسيسية وهي:

¬   أن أعضاء اللجنة التأسيسية يجب انتخابهم لوضع وثيقة الدستور نيابة عن الأمة.

¬   تقتصر مهمة هذه الجمعية على وضع الدستور فقط بحيث لا يمتد عملها بعد الانتهاء من وضع الدستور.

¬   إن الدستور الصادر عن الجمعية التأسيسية لا يتوقف نفاذه على موافقة أي جهة.

ثانيا:  أسلوب الاستفتاء

ويمكن تعريفه بأنه ذاك الاستفتاء الذي ينصب على مشروع دستور معين لحكم دولة فيأخذ المشروع صفته القانونية ويصدر إذا وافق عليه الشعب، وإذا رفضه زال ما كان له من اعتبار بصرف النظر عمّن قام بوضعه ولو تعلق الأمر بجمعية تأسيسية منتخبة. وهذه الطريقة هي أكثر الطرق ديمقراطية لأنها تطبق مبدأ سيادة الشعب بصورة كاملة، وتسمح لهذا الشعب الذي يعتبر مصدر السلطات بممارسة سلطته الدستورية الأصلية ويضع بنفسه وبصورة مباشرة الدستور الذي يلائمه وعلى ما تقدم يمكن القول بأن أسلوب الاستفتاء التأسيسي يمر بمرحلتين:

المرحلة الأولى: هي مرحلة إعداد مشروع الدستور، ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها الشعب أو لجنة فنية تعيّن الحكومة أعضاءها. ويفضل الكثيرون أن يكون إعداد مشروع الدستور من عمل جمعية منتخبة، لا من عمل لجنة فنية حكومية ولعل ذلك يعود إلى التجارب التاريخية المريرة التي عهد فيها إلى لجان فنية بتحضر مشاريع دساتير فانحرفت عن اهدافها بتقنين رغبة الحكام في الاستئثار بالسلطة.

المرحلة الثانية: هي مرحلة نفاد وسريان الدستور وتبدأ هذه المرحلة بمجرد اقتران مشروع الدستور بموافقة الشعب بعد عرضه في استفتاء عام.

 

المطلب الثاني: تعديل الدستور

تعديل الدستور هو تغيير جزئي في أحكامه سواء بإلغاء بعضها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتعديل مضمونها.

فنظرا لكون المجتمع معرض للتطور فإن الدستور مهما كان واضحا ودقيقا في نظر واضعيه أثناء تحريره يجب أن يساير التطورات من أجل أن يستجيب للمتطلبات الجديدة للمجتمع عن طريق تعديله. كما أن الأنظمة السياسية عرضة للتغيير والتطور إذ تظهر دائما مستجدات على مستوى ممارسة الحكم وعلاقة السلطة بالمواطنين مما يفرز ثغرات في النص الدستوري تحتم ضرورة تعديله وتغيير نصوصه ليواكب التطورات.

سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين تناول في الأولى نوعية الدساتير وعلاقتها بالتعديل على أن نخصص الفقرة الثانية الجهة المختصة بتعديل الدساتير

الفقرة الأولى: نوعية الدساتير وعلاقتها بالتعديل

كما أشرنا سابقا فإن الدستور المرن يمكن تعديله بنفس طريقة تعديل القوانين العادية فتعديله لا يحتاج إلى طريقة أو إجراءات خاصة، مثل الدستور الصيني المعمول به حاليا الذي يسمح بتعديله من طرف الجمعية الوطنية الشعبية بدون شروط أو أغلبية خاصة، ومن ثم فإن الحديث عن سلطة تعديل الدستور ومسطرة خاصة للتعديل تهم بالتحديد الدساتير المكتوبة الجامدة التي لا يمكن تعديلها إلا وفق مسطرة خاصة متميزة عن تلك المتبعة لتعديل القوانين العادية.

أولا: تعديل الدساتير الجامدة

يقصد بهذا النوع من الدساتير تلك التي بسبب جمودها لا يمكن تعديل نصوصها إلا بإتباع إجراءات خاصة غير تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية حفاظا على ثبات الدستور واستقراره وتجنبا للتعديلات السريعة غير المدروسة.

ثانيا : تعديل الدساتير المرنة

تخضع الدساتير المرنة في تعديلها إلى نفس الكيفيات والإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي بحيث تكاد لا تفرق بين السلطة التأسيسية والسلطة الفرعية التشريعية وينتج عن هذا الوضع تمتع السلطة التشريعية بسلطات واسعة في ظل الدستور المرن إذ أنها تملك إجراء ما تراه من تعديلات في أحكام الدستور بواسطة ذات الشروط والأوضاع التي تعدل بها القوانين العادية ذلك فضلا عن قيامها بسن وتعديل وإلغاء التشريعات العادية.

الفقرة الثانية: الجهة المختصة بالمبادرة إلى مراجعة أو تعديل  الدستور

أولا: السلطة المختصة بالمبادرة إلى مراجعة الدستور

بالنسبة للجهة التي يحق لها اقتراح تعديل الوثيقة الدستورية تختلف باختلاف الدساتير ويمكن في هذا الصدد الحديث عن أربعة جهات كالتالي:

النموذج الأول: السلطة التنفيذية

هناك دساتير تمنح السلطة التنفيذية حق اقتراح تعديل الدستور، وتمتيع السلطة التنفيذية وحدها حق المراجعة يؤشر على هيمنتها على الحياة السياسية.

النموذج الثاني: السلطة التشريعية

ثمة دساتير تمنح البرلمان حق اقتراح تعديل الدستور، مثل دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي يسمح للكونغرس أو لثلثي برلمانات الولايات باقتراح تعديل الدستور الفيدرالي كما تنص على ذلك المادة الخامسة من الدستور الأمريكي.

النموذج الثالث : السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية معا

تجعل بعض الدساتير حق اقتراح التعديل مشتركا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، أي الحكومة والبرلمان، حيث يمكن إعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح من السلطة التنفيذية فتقدم الحكومة مشروع القانون إلى البرلمان، كما يمكن أيضا إعادة النظر في الدستور بناءا على طلب البرلمان، ومثل دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الذي يمنح حق اقتراح تعديل الدستور الرئيس الجمهورية بناء على مشروع مقدم من طرف الوزير الأول من جهة ومن جهة ثانية من لدن مجموعة من أعضاء البرلمان النواب والشيوخ.

ويتبع المغرب نفس الأسلوب، إذ منح الباب الثالث عشر من الدستور حق المبادرة بقصد مراجعة الدستور للملك ولرئيس الحكومة والمجلس النواب والمجلس المستشارين ( الفصل (172) . ويقصد الدستور في الحالة الأولى "مشروعاً"، وفي الحالتين الثانية والثالثة يقصد "اقتراح المراجعة". وقد يتقدم بمقترح مراجعة الدستور عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين.

ولا يعامل الدستور المشروع الملكي كما يتعامل مع المراجعة المقترحة. فمشروع المراجعة يناقش في المجلس الوزاري ( الفصل (49) . ولكنه لا يخضع للمناقشة البرلمانية كما كانت الحال في دستور عام 1962 الذي يقضي بخضوع المقترحات المنبثقة عن رئيس الوزراء للمناقشة البرلمانية والمقترح المنبثق عن أحد المجلسين يجب أن يعتمد بأغلبية ثلثي أعضائه، ثم يعرض هذا المقترح على المجلس الآخر، حيث يمكن اعتماده بأغلبية ثلثي أعضائه ( الفصل 104) . ولكن لا يقدم النص أي تفاصيل أخرى بشأن الإجراء..

أما المقترح المنبثق عن رئيس الحكومة، فتجري مناقشته في مجلس الحكومة ثم يقدم إلى المجلس الوزاري. والملك غير ملزم بالرد عليه. وتعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور للاستفتاء بمقتضى ظهير. ولا يحتاج هذا الظهير إلى توقيع بالعطف من قبل رئيس الحكومة ( الفصل 42 الفقرة (4) . وتكون المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء ( الفصل 174 الفقرة (2) والاستفتاء المتوقع هنا الزامي وليس اختيارياً. لكن للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بموجب ظهير على البرلمان مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور ( الفصل 174 الفقرة (3). وعلى البرلمان أن يصادق عليه بدعوة من الملك في اجتماع مشترك لمجلسيه، بأغلبية ثلثي الأعضاء. وتراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة، وتعلن النتائج..

وهناك حدود واضحة لممارسة سلطة المراجعات الدستورية. ويمكننا التمييز بين الحدود الشكلية والحدود المادية. فمن الناحية الشكلية، تحظر مراجعة الدستور في ظروف معينة. وإذا كان الملك دون سن الرشد. فلا يمكن لمجلس الوصاية مراجعة الدستور. "" فضلا على ذلك، ليس ثمة ما يمنع المراجعة أثناء اعتلاء عاهل جديد سدة العرش ( الفصل (43) . أما فيما يتعلق باستخدام الفصل 59 وحظر المراجعة في "حالة الاستثناء"، فإن النص لا يحتوي على أي شرط بهذا الشأن. ولم يسبق لقاضي مغربي أن بت بأمر كهذا، بعكس القضاة الدستوريين الفرنسيين. لكن الدستور من الناحية العملية خضع مرة للمراجعة أثناء حالة الطوارئ (مثلاً دستور (1970). علاوة على ذلك، لا يحظر الدستور المراجعة عندما تكون حوزة التراب الوطني مهددة. أما على المستوي المادي، فلا يمكن مراجعة "أحكام الدين الإسلامي" ولا نظام الحكم الملكي أو الخيار الديمقراطي والحقوق والحريات الأساسية المكتسبة.

النموذج الرابع: الشعب والبرلمان

تمنح بعض الدساتير حق اقتراح تعديل الدستور لكل من البرلمان والشعب؛ مثل الإتحاد السويسري الذي نص على إمكانية تقديم الشعب اقتراح مراجعة الدستور إلى الجمعية الفيدرالية، شريطة حصول عريضة المراجعة على مائة ألف توقيع خلال مدة لا تتجاوز ثمانية عشر شهرا.

ثانيا: الجهة المختصة بتعديل الدستور

اختلف فقهاء القرن الثامن عشر حول تحديد الجهة صاحبة الاختصاص بتعديل قواعد الدستور ولم يتفقوا على طريقة معينة يجب إتباعها في هذا الشأن وذهبوا في ذلك إلى اتجاهات ثلاثة هي كالتالي:

الاتجاه الأول : إعطاء سلطة التعديل للشعب ذاته

نادى بهذا الاتجاه الفقيه السويسري إميرْ دو فَاتِل  وعبر عن رأيه بذلك في أطروحات قانون الأمم والشعوب الذي طبق فيها نظرية القانون الطبيعي على العلاقات الدولية، ويستند هذا الرأي إلى أن الدستور ما هو إلا تعبير عن فكرة العقد الاجتماعي الذي أنشأ الجماعة السياسية وأسس السلطة العامة فيها ومن ثم لا يمكن أن يكون الدستور إلا من وَضْعْ جميع أفراد الجماعة أي من صنع الشعب، لا من صنع فئة معينة منه، وما دام العقد الاجتماعي لا يتم إلا بإجماع إرادة أفراد الجماعة فإنه لابد من الإجماع كذلك كلما أريد تعديل هذا العقد أو تغيير الشروط التي تضمنتها.

وواضح أن هذا الرأي يؤدي إلى الجمود المطلق للدستور، حيث أن الإجماع أمر وهمي مستحيل التحقيق وأمام هذه الصعوبة العملية اضطر صاحب هذا الرأي إلى التخفيف من تطبيق هذا الرأي واكتفى لصحة التعديل أن يصدر بالأغلبية العددية المطلقة لمجموع أفراد الشعب، إلا أنه أعطى الأقلية المعارضة في هذه الحالة حق الانفصال عن الجماعة التي عدلت دستورها باعتبارها لم تحترم العقد الأصلي.

الاتجاه الثاني: جعل سلطة التعديل من حق ممثلي الشعب

نادى بهذا الاتجاه فقيه الثورة الفرنسية " إيمانويال جوزيف سياس " حيث ذهب إلى القول بأن الدستور هو الذي أوجد السلطات الأساسية في الدولة وقام بتحديد اختصاصاتها وبالتالي فإنه يحرم على تلك السلطة المنشأة المساس به أو التطاول عليه بالتعديل أو الإلغاء، بينما يحق للأمة أن تعدله متى أرادت فالأمة هي صاحبة السيادة وهي بتلك الصفة تملك صلاحية إصدار الدستور وتعديله وإلغائه وفقا لمتطلبات حياتها ودون أن تفيد في ذلك مراعاة أشكال معينة، وإذا كانت الأمة تملك الحرية المطلقة في تعديل دستورها فإنها تملك أن تقوم بهذا التعديل بنفسها، أو عن طريق ممثلين ينوبون عنها في القيام بهذه المهمة بالجمعية التأسيسية المنتخبة، وبناء على ذلك فإن تعديل الدستور يمكن أن يتم بالطريق المباشر بموافقة أغلبية أفراد الأمة (الشعب) أو بالطريق النيابي غير المباشر بواسطة ممثلي أو نواب الأمة

الاتجاه الثالث: إعطاء سلطة التعديل للسلطة التأسيسية المنشأة التي يحددها الدستور

يقول أنصار هذا الاتجاه بأنه لا يمكن تعديل الدستور إلا بالطريقة التي ينص عليها الدستور ذاته، أو من قبل السلطة التي يعينها لذلك، وبمعنى آخر فإنه لا يجوز تعديل أي نص من النصوص الواردة في وثيقة الدستور إلا بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور القيام بذلك وضمن الشروط والإجراءات والأصول الواجبة إتباعها لتعديل الدستور، ويعود الفضل في إبراز هذا الرأي إلى الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو" وقد عبر عنه في مقال له بعنوان " تأملات أو نظرات حول حكومة بولندا وقد قبل الفقيه السويسري فَاتل ضمنا بهذا الرأي.

وواضح أن هذا الاتجاه الذي يمثل الفقه الحديث يؤدي إلى التفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية" التي تتولى مهمة وضع دستور جديد للدولة والسلطة التأسيسية المنشأة أو المشتقة التي تختص بتعديل الدستور القائم.

 

المطلب الثالث: مسطرة التعديل وحدود المراجعة الدستورية

سنحاول في هذا المطلب التطرق لمسطرة التعديل من خلال مراحله بالفقرة الأولى، وكذا ستناول الضوابط وحدود المراجعة الدستورية التي تفرضها الدساتير على عملية التعديل بالفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: مراحل التعديل

تختلف دساتير الدول من حيث مسطرة التعديل ومراحله باختلاف الانظمة السياسية (طبيعة نظام الحكم في الدولة)، وكذلك نظرا لاعتبارات فنية (أساليب الصياغة وطرق وضع الدستور). ومهما اختلفت الدساتير فيما يتعلق بالصيغ والاجراءات المتبعة في تعديل احكامها، إلا أنه يمكن حصر مراحل التعديل الدستوري في أربعة مراحل:

¬   مرحلة اقتراح التعديل

¬   مرحلة اقرار مبدأ التعديل

¬   مرحلة اعداد التعديل

¬   مرحلة الإقرار النهائي للتعديل

أولا : مرحلة اقتراح التعديل

نجد في هذا الإطار أن هناك دساتير تمنح البرلمان حق اقتراح تعديل الدستور، ويحدث ذلك في الدول التي تعمل على تقوية مركز السلطة التشريعية لتأكيد صفتها الديمقراطية كدستور الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك دساتير تمنحه للسلطة التنفيذية، وذلك في البلاد التي تعمل على دعم مركز هذه السلطة، في حين أن بعض الدساتير تجعل حق اقتراح التعديل مقررا للبرلمان والسلطة التنفيذية معا، وذلك في البلاد التي تأخد بمبدأ التعاون والتوازن بين السلطتين كالدستور المغربي الحالي، وقد يعطي الدستور حق اقتراح التعديل لجمهور الناخبين.

ثانيا : مرحلة إقرار مبدأ التعديل

تجعل أغلب الدساتير مهمة إقرار مقترح التعديل في يد السلطة التشريعية، لكن تختلف بشأن النسب والمسطرة المتبعة في ذلك، وبعض الدساتير تنص على شرط انتخاب جمعية تأسيسية تتولى مهمة إقرار تعديل الدستور. وبعضها الآخر يفرض إجراء استفتاء شعبي.

ثالثا : مرحلة إعداد التعديل.

حسب بعض الدساتير يناط بهذه المهمة إلى هيئة مشكلة لهذه الغاية فقط غير أن معظم الدساتير تخول البرلمان القيام بهذه المهمة ضمن إطار خاص، مثل وجوب اجتماع البرلمان المكون من مجلسين في هيئة خاصة، أو اشتراط أغلبية خاصة في حضور الجلسات أو اتخاذ القرارات، أو حل البرلمان و انتخاب برلمان جديد يتولى إعداد التعديل.

رابعا: مرحلة الإقرار النهائي للتعديل.

يحدد الدستور السلطة المخول لها إقرار التعديل والطريقة التي يتم بها التعديل، حيث يحدد اليات تشكيلها واختصاصاتها، ومسطرة عملها.

الفقرة الثانية: حدود التعديل الدستوري.

إن حدود التعديل الدستوري تفرض بالقيود التي قد يضعها المشرع الدستوري نفسه بهدف حماية بعض مقتضيات الدستور أو الدستور كاملا لفترة زمنية معينة. ومن ثم فإن قيود حماية الدستور قد تكون زمنية أو موضوعية، وقد أثارت هذه الحدود في الفقه الدستوري نقاشا كبيرا حول مشروعيتها.

أولا: الحماية الزمنية.

تفترض الحدود الزمنية منع تعديل الدستور كله أو بعض مقتضياته مدة محددة من الزمن، وتتخذ الحماية الزمنية شكلين:

الشكل الأول: منع تعديل الدستور كله خلال فترة معينة. وذلك بهدف تحقيق قدر من الثبات والاستقرار للنظام السياسي.

ومن الأمثلة على ذلك الدستور الأمريكي لسنة 1787 حيث منع في فصله الخامس تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808. والدستور المغربي الحالي الذي يمنع مجلس الوصاية من مراجعة الدستور أثناء ممارسة اختصاصات العرش قبل بلوغ الملك سن الرشد.

الشكل الثاني: يتمثل في منع تعديل الدستور تعديلاً كلياً أو جزئياً في ظروف معينة. كأن تكون الدولة في حالة حرب أو وقوع أي تهديد لوحدتها الترابية، فهذه الظروف غير الطبيعية لا يصح معها اتخاذ إجراءات تعديل الدستور. ومثال ذلك ما نص عليه الدستور الفرنسي الحالي في المادة 89 ، إذ منع تعديل الدستور في حالة احتلال قوة أجنبية لجزء أو لكامل التراب الوطني الفرنسي.

ثانيا : الحماية الموضوعية.

تتمثل هذه الحماية في عدم جواز تعديل مقتضيات معينة، حيث يتم استبعاد بعض أحكام الدستور من المراجعة نهائيا ففي النظم الملكية نرى الدساتير تحرص على عدم جواز تعديل النصوص التي تتعلق بالشكل الملكي للحكم. ومن ذلك ما نص عليه دستور سنة 1884 في فرنسا أن الشكل الجمهوري للحكومة لا يصح أن يكون محلاً للتعديل وكذلك الدستور الإيطالي لسنة 1947 الذي منع تعديل النظام الجمهوري، نجد أيضا في دستور المغرب لسنة 2011 في الفصل 175 على منع مراجعة " الاحكام المتعلقة بالدين الاسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور".

ثالثا : مشروعية حماية الدستور.

تطرح حدود المراجعة الدستورية لنص الدستور أو بعضه سؤال القيمة القانونية لهذه القواعد المعنية واختلفت اراء الفقهاء وقد برزت ثلاث اتجاهات، ذهب أصحاب الاتجاه الأول إلى تجريد هذه النصوص من كل قيمة قانونية أو سياسية، ويعتبرها باطلة. وحجتهم في ذلك أنها تخالف طبيعة الأشياء المتسمة بالتغير. ويعتبر هؤلاء الفقهاء أن النصوص التي تتضمن الحضر الزمني أو الموضوعي ليست سوى مجرد أماني ليست لها صفة الإلزام قانونيا فالدستور باعتباره نظاما قانونيا للحكم والظروف في وقت معين فإذا تبدل النظام أو تغيرت الظروف وجب على الدستور أن يتكيف ويتعدل.

ذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى إغفال الجانب السياسي ويقول بصحة هذه النصوص قانونيا، باعتبار أن الشعب هو صاحب السيادة، ولا يمكنه ممارسة سلطته إلا على الوجه المبين في الدستور ".

ميز أنصار الاتجاه الثالث بين نوعي الحماية الزمنية والموضوعية، فيضفي الفقيه الفرنسي جورج بوردو المشروعية على الأولى ويجرد الثانية من كل قيمة قانونية، باعتبار أن السلطة التأسيسية الحالية لا تستطيع تقييد حرية السلطة التأسيسية المقبلة.

 

المبحث الأول: الصياغة القانونية للنص الدستوري

المطلب الأول:  قواعد الصياغة القانونية للمواد الدستورية

تهدف المسارات التأسيسية التي تتم في مراحل انتقالية إلى وضع دساتير تكون عادلة وتحظى بالقبول وقابلة للتطبيق. وتحيل فكرة "قابلية الدستور للتطبيق إلى مسائل مختلفة، تتعلق بمدى تلاؤم الدستور الجديد مع خصوصيات البلاد، وقدرة الدولة على التنفيذ الفعلي للدستور والتكلفة المحتملة لذلك، وأهمية عدد القضايا التي قد ترفع بناء عليه، إلخ....

لا يقتصر الدستور على التعبير على خيارات سياسية. فهو ليس خطابا أو إعلانا سياسيا فحسب بل هو كذلك نص قانوني، يتعين أن يخضع في كتابته إلى القواعد التي يفرضها علم الصياغة القانونية". وبما أن الدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة، فإن كتابته القانونية تكون أصعب من كتابة النصوص التشريعية، وتضع على كاهل الجهة المكلفة بمهمة الصياغة القانونية مسؤولية أكبر. فالدستور يتطرق إلى مجالات قانونية مختلفة، لذا يتعين على الجهة المكلفة بمهمة الصياغة القانونية أن تكون على دراية تامة بتبعات ما سيتم التنصيص عليه في الدستور على النصوص التشريعية التي ستصدر لاحقا تطبيقا لأحكام الدستور.

فالدستور وثيقة سياسية وقانونية ويتعين في الوقت ذاته أن يكون مكتوبا بأسلوب واضح يسهل فهمه من قبل المواطنين، وأن يكون قابلا للتطبيق لاحقا من قبل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتقوم منهجية الكتابة القانونية المضامين الدستور على عدة قواعد مبدئية، أهمها الوضوح والتناسق.

الفقرة الأولى: وضوح النص الدستوري

من المفروض أن تؤول قراءة النص الدستوري إلى نفس المعنى، سواء كان قارئه مواطنا عاديا أو مختصا في القانون. لذا، يجب أن تكون لدى الجهة المكلفة بمهمة الصياغة القانونية قدرة عالية على التنبؤ بالمعاني التي يمكن أن تخطر على أذهان القراء بمختلف أنواعهم، وهو ما يستوجب أن تكون هي بذاتها قد استوعبت واستبطنت المصطلحات والمفاهيم الدستورية وأدركت مكانها في عالم الأفكار الدستورية. ويكمن فنّ التحرير القانوني لمواد الدستور في القدرة على تبني صياغة لا تقبل إلا معنى واحدا، وهو المعنى الذي أراده المؤسسون.

ويتطلب الوضوح في الصياغة استعمال عبارات وكلمات دقيقة ومفهومة وجمل واضحة وغير معقدة في تركيبتها. فيجب تفادي الجمل التي يمكن أن يصعب فهمها، أو التي يمكن أن تقرأ في اتجاهات مختلفة. إذ يتعين أن تعبر كل مادة من مواد الدستور عن مقصد السلطة التأسيسية بصورة واضحة ومباشرة ودون ترك أي مجال للشك. فعدم وضوح المادة الدستورية، يجعلها مدعاة لتأويلات وقراءات قد تكون مختلفة من جهة إلى أخرى (الإدارة القضاء السياسيين المجتمع المدني...)، وهو ما قد يؤول إلى تعطيل تنفيذ النص الدستوري أو إلى سوء تطبيقه. وقد يتسبب ذلك في نشوب نزاعات بين مختلف الأطراف التي يكون لها فهم مغاير للمعنى الذي تحمله المواد الدستورية. وقد يرفع الأمر أمام المحاكم لتنظر فيه، فتختلف هذه الأخيرة في قراءتها وفهمها للمادة الدستورية، ما قد ينجر عنه اختلافات على مستوى كيفية تطبيقها، خاصة في غياب محكمة دستورية تتولى تقديم تأويل رسمي ملزم لجميع السلط. وقد تترتب عن ذلك نتائج وخيمة على المستوى السياسي وعلى المستوى القانوني. ويتعين على محرري النص الدستوري أخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار عند صياغة مضامين الدستور المتفق عليها بلغة قانونية صرفة.

فمثلا للتعبير عن فكرة الوجوب والإلزام" يستحسن استعمال عبارات مثل "يجب" أو "على... أن" عوضا عن عبارة "يمكن" أو " لـ ... أن" التي تفيد الإمكانية.

ففي مجال الحقوق والحريات، إذا كان الهدف هو إلزام الدولة بتحقيق نتيجة معينة، يمكن عندها استعمال عبارات مثل "تضمن الدولة الحق في..." أو "على الدولة ضمان الحق في..... أما إذا كان الهدف هو إلزام الدولة ببذل الجهد لتحقيق هدف معين دون إلزامها بواجب بلوغ ذلك الهدف، فيستحسن عندها استعمال تعبيرات أخرى على غرار "تعمل الدولة على توفير ..." أو "تسعى الدولة لـ...".

وفيما يلي بعض الأمثلة عن خيارات الصياغة الواضحة التي تمكن من بلورة قصد المؤسسين بكل دقة ووضوح.

أمثلة عن كيفية اختيار الصياغة الأنسب للفكرة المراد التعبير عنها

القاعدة المراد إدراجها في الدستور

صياغات مناسبة

صياغات غير مناسبة

تحميل المواطن واجب أداء الضرائب

يجب على كل مواطن أداء الضرائب

"أداء الضرائب واجب على كل مواطن"

"على المواطن أن يدفع الضرائب المستحقة"

يمكن للمواطن أداء الضرائب".

"للمواطن دفع الضرائب".

صياغتان لا تفيدان الإلزام بل تفيدان الإمكانية وتمنحان المواطن الخيار بين أداء الضريبة وعدم أدائها.

إلزام الدولة بضمان توفير التغطية الاجتماعية لكل المواطنين

 

" على الدولة توفير التغطية الاجتماعية لكل مواطن".

"الحق في التغطية الاجتماعية مضمون لكل المواطنين".

 

تسعى الدولة لتوفير التغطية الاجتماعية لكل المواطنين"

تعمل الدولة على محاولة توفير التغطية الاجتماعية لكل المواطنين".

(صياغتان لا تلزمان الدولة بتحقيق نتيجة ألا وهي توفير التغطية الاجتماعية للجميع). بل تجعلها ملزمة فقط باستعمال الوسائل التي من شأنها أن تساعد على بلوغ الهدف.

تتخذ جعل بعض القرارات بالتوافق بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

يتخذ رئيس الحكومة القرارات المتعلقة بـ.. بعد أخذ الرأي الوجوبي لرئيس الدولة

يتخذ رئيس الحكومة القرارات المتعلقة بـ بالتوافق مع / بموافقة رئيس الدولة.

" يتخذ رئيس الحكومة القرارات المتعلقة بـ -... بعد أخذ رأي رئيس الدولة" (هذه الصياغة لا تمكن من معرفة ما إذا كان رأي رئيس الدولة ملزما لرئيس الحكومة).

" يستشير رئيس الحكومة رئيس الدولة حول القرارات المتعلقة بـ..." هذه الصياغة لا تبين بوضوح مدى وجوب استشارة رئيس الدولة والالتزام برأيه).

ويستفاد من التجارب المقارنة أنه لتفادي التأويلات المختلفة لأحكام الدستور وما يمكن أن ينتج عنها من نزاعات، عمد بعض المؤسسين إلى تعريف المصطلحات القانونية المعقدة المستعملة في الدستور ضمن الدستور ذاته. ويساعد هذا الخيار المواطنين والسياسيين والمحاكم على فهم الأحكام الدستورية، ويسهل على الإدارة والمحاكم تأويلها وتطبيقها.

الفقرة الثانية:  تناسق النص الدستوري

يجب أن تكون مقتضيات النص الدستوري متناسقة ومتماسكة وأن تكون مصاغة في لغة متجانسة. إذ يجب أن تكون أحكام الدستور خالية من التضارب والتناقض والتكرار الذي يسبب الخلط والالتباس والصعوبة في القراءة والفهم. فقد يترتب لاحقا عن عدم التناسق والتماسك اختلافات حول تأويل أحكام الدستور من قبل عموم المواطنين والمختصين وصعوبات في تطبيقه، وهو أمر يستحسن تفاديه.

ويمكن أن يتجلى عدم التناسق والتماسك في جوانب عديدة، نذكر منها:

¬     قد تتعارض بعض مواد الدستور مع أحد أو بعض المبادئ الدستورية المنصوص عليها في التوطئة الديباجة أو في باب المبادئ العامة.

¬     قد يتم استعمال نفس المصطلحات في أجزاء مختلفة من الوثيقة الدستورية للدلالة على معان مختلفة.

¬     قد يتم التنصيص على آليات أو أحكام قد تكون غير قابلة لأن تعمل معا بشكل جيد. كأن ينص الدستور في أحد فصوله على أن "ممارسة الحق في الإضراب مضمونة دون قيد أو شرط" وهو ما يفهم منه أنه يحق لكل العاملين، بمن فيهم العاملون في القطاع العمومي، الحق في الدخول في إضراب في إطار ممارسة الحق النقابي وأن ينص فصل آخر على "واجب الدولة في ضمان استمرارية المرافق العمومية دون أي توضيح بخصوص آليات ضمان الاستمرارية (وهو ما يمكن الدولة من منع الإضراب أو الحد منه إذا كان من شأنه أن يمس من استمرارية مرفق عمومي ما).

ويمكن أن يكون غياب التناسق ناتجا عن عوامل مختلفة، نذكر منها:

¬     إجراء تغييرات على بعض الأحكام من مشروع الدستور في المراحل الأخيرة من مسار صياغة الدستور بدون تروي وبدون مراجعة المشروع برمته.

¬     عدم تمكن المؤسسين من المسائل القانونية ورفضهم الاستعانة بالخبراء.

¬     سوء توزيع العمل بين اللجان المتخصصة حسب المواضيع وغياب التنسيق بينها.

¬     التركيز على جوانب دون أخرى من مشروع الدستور.

¬     القص واللصق من دساتير أجنبية.

¬     السرعة المفرطة وعدم التروي عند كتابة مسودة الدستور.

¬     الاستعانة بعدة مختصين في الصياغة القانونية يعملون بأساليب متباينة على أجزاء مختلفة من الدستور.

ونستخلص من التجارب المقارنة، أن أهم الإستراتيجيات المعتمدة لتفادي عدم التماسك والاتساق تمثلت في:

¬     تحديد حيز زمني عملي ومعقول لإعداد مشروع الدستور، بما يسمح لهيكل صياغة مشروع الدستور بالتعمق في الأمور والمفاهيم والوصول إلى توافقات عملية

¬     وضع خبراء على ذمة لجنة التنسيق والصياغة لمساعدتها على تأليف مختلف أجزاء الدستور بطريقة تمكن من الحصول على دستور متناسق وخال من التناقضات والتكرار. وهو ما حصل في الهند وأوغندا وكينيا والبرازيل وتيمور الشرقية .....

¬     اللجوء إلى عدد صغير من الخبراء في الصياغة القانونية مع إمكانية تكليف شخص واحد بمهمة الصياغة القانونية للنسخة الأخيرة لمشروع الدستور. ففي جنوب إفريقيا مثلا عمل عدد من الخبراء في الصياغة القانونية على النسخة الأخيرة من مشروع الدستور، إلا أنه تم تعيين خبير قانوني واحد فقط من أجل مراجعة المشروع النهائي للدستور من حيث اللغة القانونية واللغة عامة.

المطلب الثاني:  المناهج المعتمدة لصياغة المواد الدستورية

لا يكفي أن يكون الدستور متماشيا مع السياق التاريخي والسياسي للدولة التي يصدر فيها، وإنما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الثقافة القانونية السائدة في البلد. لذا نجد مناهج مختلفة لصياغة الدساتير، نذكر أهمها فيما يلي:

منهج "ما هو ضروري تقنيا" وهو المنهج التقليدي الذي يقوم على فكرة الدستور القصير، الذي يحتوي على الأحكام الأساسية الضرورية لتنظيم الحكم ولتأطير علاقة الدولة بالمواطنين فقط ويترك تفصيل تلك الأحكام العامة للمشرع لاحقا. وعادة ما تعتمد الدساتير المصاغة وفق هذا المنهج عبارات عامة وفضفاضة، وذلك حتى يكون نص الدستوري لينا وقابلا للتطويع والتأويل وفق تطور الرؤى وحاجيات المجتمع. وغالبا ما يستشهد مناصرو فكرة الدستور المصاغ بمنهج ما هو ضروري تقنيا" بدستور الولايات المتحدة الأميركية الذي يتضمن 7 مواد فقط.

وتبرز التجارب المقارنة، أن الدساتير المقتضبة لم تنجح إلا في البلدان التي لها تقاليد ديمقراطية عريقة ولها منظومة قضائية مستقلة وناجعة. ونشير إلى أن الدول العربية التي اعتمدت بعد حصولها على استقلالها في فترة ما بين الخمسينيات والستينيات منهج الدستور القصير لم تنجح في تركيز أنظمة ديمقراطية. ونلاحظ أن الدستور الأميركي الذي عادة ما يستشهد به كنموذج عن الدساتير القصيرة ولئن كان من أقدم دساتير العالم، فإنه لم يؤول إلى إرساء ديمقراطية مستقرة وحديثة إلا بعد حقبة مطولة من الزمن عانت فيها الولايات المتحدة الأميركية من نظام العبودية ومن الحرب الأهلية. ونلاحظ أن جل التجارب الدستورية الحديثة في الدول التي مرت بمرحلة انتقال ديمقراطي، لم تتوخ التمشي القائم على صياغة دستور قصير ومختزل من حيث مضامينه.

المنهج "التلقيني / التعليمي": وهو منهج غالبا ما يتم اعتماده في الدول حديثة النشأة، والتي لا يكون للشعب وللسياسيين فيها معرفة وخبرة كافية في مجال إدارة دواليب الدولة وممارسة السلطة. وتكون الدساتير المصاغة وفق هذا المنهج مفصلة وطويلة جدا. وقد تم اتباع هذا المنهج في غينيا الجديدة، حيث لم يكن هنالك معرفة كافية بكيفية ممارسة السلطة، فتمت بناء على ذلك صياغة دستور مفصل في شكل دليل عملي للحكم". حيث احتوى هذا الدستور على 275 مادة وردت كلها شديدة التفصيل. هذا إلى جانب احتوائه على جملة من الملاحق المكملة للدستور، بما في ذلك مسرد لتعريف المصطلحات المستعملة.

منهج دعونا نضع كل شيء في الدستور» وهو منهج يؤدي إلى صياغة دساتير طويلة جدا وشديدة التفصيل. إذ يختار المؤسسون في هذه الحالة التطرق إلى كل المواضيع والمسائل المتصلة بنظام الحكم وبعلاقة السلطة بالمواطنين بمختلف طوائفهم وأعراقهم وذلك بتفصيل وبدقة مفرطة. وقد يكمن سبب توخي هذا المنهج في غياب الثقة في المؤسسات التي ستتولى تطبيق الدستور والرغبة في وضع أكثر ما يمكن من الضمانات تحسبا لأي تجاوزات لاحقة. وقد تم اعتماد هذا المنهج في عدد من دول أميركا اللاتينية على غرار البرازيل فالدستور الفيدرالي البرازيلي لسنة 1988، الذي رغم احتوائه على فصول عددها مماثل لما نجده في بعض الدساتير الأخرى (246) فصلا، فهو يبقى الدستور الأطول في العالم من حيث عدد الكلمات. إذ إن جل فصوله وردت مطولة وحاملة لتفاصيل عادة ما تكون في الأنظمة القانونية المقارنة، إما من مجال النصوص التشريعية قوانين أساسية أو عادية أو من مجال النصوص الصادرة عن السلطة التنفيذية..

دستور المملكة المغربية

180 فصلا

دستور جمهورية مصر العربية

254 مادة

دستور الجمهورية الفرنسية

89 مادة

دستور مملكة إسبانيا

168 مادة

دستور الولايات المتحدة الأميركية

7 مواد

دستور السينغال

57 مادة

دستور الهند

395 مادة

دستور البرازيل

94 مادة

دستور الكومنولث الأسترالي

128 مادة

 

المبحث الثاني: قراءة في الدستور المغربي.

يعدّ الدستور المغربي لسنة 2011 وثيقة قانونية فريدة من نوعها، تميزت بخصائص بنائية ولغوية مميزة تعكس تطلعات الشعب المغربي وأهدافه. ومن أهم هذه الخصائص، الوحدة اللغوية والموضوعية في خدمة تماسك النص الدستوري الذي سوف نتناوله في المطلب الأول من هذا المبحث ، بينما سنعالج في المطلب الثاني المحددات البنائية للسدتور وسياقه العام، دون أن ننسى طبعا التطرق الى الدستور من حيث الشكل.

المطلب الأول : الوحدة اللغوية والموضوعية في خدمة تماسك النص الدستوري:

*      حرص المشرع الدستوري على استخدام لغة عربية فصيحة تتميز بالوضوح والدقة.

*      توظيف مصطلحات قانونية محددة بعناية لتجنب أي غموض أو لبس في تفسير النص.

*      طغيان الجمل الإسمية على الجمل الفعلية، مما يعكس رغبة واضحة في تقديم تعريفات دقيقة ومميزة للدولة المغربية وهويتها ومبادئها.

*      الاعتماد فقط على الفعل المضارع المبني عندما تًوَظّف الجمل الفعلية.

*      ترتيب الأحكام في تصدير الدستور بشكل منطقي، من العام إلى الخاص.

*      تجنب المشرع الدستوري استخدام أسلوب التقرير المباشر، وفضل بدلاً من ذلك استخدام لغة موضوعية وحيادية.

الفقرة الأولى: أمثلة من نص الدستور:

استخدام الجمل الإسمية: (نكتفي بالباب الأول المتكون من 18 فصلا)

سنلاحظ أن جل فصول الدستور تبتدأ بجمل إسمية، التصدير يبتدأ بناسخ حرفي حيث جاء كما يلي، إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.

*        نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. (الفصل الأول)

*        السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. (الفصل الثاني)

*        الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية. (الفصل الثالث)

*        علم المملكة هو اللواء الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء خماسية الفروع. (الفصل الرابع)

*        القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. (الفصل السادس)

*        لا يمكن حل الأحزاب... والمنظمات النقابية... من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي. (الفصل التاسع)

*        الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. (الفصل الحادي عشر)

*        للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط ووو... الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع. (الفصل الرابع عشر)

*        للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. (الفصل الخامس عشر)

النسبة المئوية

50%

50%

 

فصول الدستور التي تبتدئ باسم

ما تبقى

 

استخدام الجمل الفعلية المضارعة: (نكتفي بالباب الثاني المتكون من 22 فصلا)

يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية... (الفصل 19)

 تُدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي... (الفصل 26)

 تعمل الدولة ووو... على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات... (الفصل 31)

 تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. (الفصل 34)

 يضمن القانون حق الملكية. (الفصل 35)

 يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح ..(الفصل 36)

 يُساهم كل المواطنين والمواطنات في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية (الفصل 38)

النسبة المئوية

31.82%

68.18%

 

فصول الدستور التي تبتدئ بفعل مضارع

ما تبقى

 

توظيف عبارات قانونية دقيقة: (نكتفي بالبابين الثالث والثالث عشر)

الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. (الفصل 41)

الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة.. (الفصل 42)

يعتبر الملك غير بالغ سن الرشد قبل نهاية السنة الثامنة عشرة من عمره.. (الفصل 44)

يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.. (الفصل 47)

يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. (الفصل 47)

يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح  باسمه للانتخابات.. (الفصل 61)

يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى.. (الفصل 65)

 

التدرج في عرض الأحكام:

يتكون مجلس المستشارين من 90 عضوا على الأقل، و120 عضوا على الأكثر... ويبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس المستشارين (المادة 63)

يصدر قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي (الفصل 75)

تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعينون لمدة تسع سنوات... يعين الملك رئيس المحكمة الدستورية.. (الفصل 130)

يحدد قانون تنظيمي قواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها والإجراءات المتبعة أمامها، ووضعية أعضائها. (الفصل 131)

الاعتماد عن أسلوب التقرير:

التقرير في اللغة: نقول قَرَّرْتُ عنده الخبر يعني صار الأمر إلى قراره. وفي الاصطلاح: "هو إلجاء المُخاطَب إلى الإقرار بأمر يعرفه، أي حمل المخاطَب على الإقرار والاعتراف.

من هنا يمكن القول أن الأسلوب التقريري بالدستور هو أسلوب علمي مباشر بعيد عن الإيحاء و خال من صور الاستعارة والمجاز يقدم مجموعة من البنود القانونية واضحة و ذلك باعتماد : الموضوعية و التوكيد لأن الهدف في النهاية هو الإقناع بأن الطرف المخاطب فهم الأمر.

ولعل أبرز فصل دستوري وظّف أسلوب التقرير هو الفصل السابع حيث جاء فيه:

"تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية."

ثم ورد بالفقرة الثانية من نفس الفصل: "تُؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون."

 

ثم ورد بالفقرة الرابعة: "لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان. ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي، أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية، أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة.

توظيف تقنيات بلاغية:

 استخدم المشرع الدستوري بعض التقنيات البلاغية، مثل التشبيه والاستعارة والبيان، لجعل النص أكثر تأثيرًا وقوة.

 

الفقرة الثانية: الدستور من حيث الشكل

يبدأ نص الدستور المغربي بنص من 355 كلمة  سمي بالتصدير، والذي يلعب دورا وجسرا لفظيا وسيطا بين الفصول القانونية وبين عنوان الوثيقة، تمهد السبيل أمام القارئ للولوج إلى داخل المحتوى، ويعْتبر الدستور المغربي أن تصديره يُشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور، وينص على مجموعة من الأركان الأساسية التي ينبني عليها الدستور وهي:

*   المملكة المغربية اختارت بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.

*   إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة.

*    إرساء دعائم مجتمع متضامن.

*    ضمان الأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم.

*   التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

*   المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية.

*    صيانة تلاحم مقومات الهوية الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

*    تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.

*   الالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، من مبادئ وحقوق وواجبات، والتشبث بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.

*   ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك.

*   العمل على بناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي.

*   تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة.

*   تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل والصحراء.

*   تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو- متوسطي.

*   توسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم.

*   تقوية التعاون جنوب-جنوب.

*   حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء.

*   حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان.

بعد نص التصدير نأتي الى أبواب الدستور الأربعة عشر وهي:

 البـاب الاول: أحكام عامة

البـاب الثـانـي: الحريـات والحقـوق الأساسيـة

البـاب الثالث: الملكية

البـاب الرابـع: السلطـة التـشريعيـة

البـاب الخامـس: السلطـة التنفيذيـة

الباب السادس: العلاقات بين السلط

البـاب السابـع: السلطـة القضائيـة

البـاب الثامـن: المحكمـة الدستـوريـة

البـاب التاسـع: الجهـات والجماعـات الترابيـة

البـاب العاشـر: المجلـس الأعلـى للحسابـات

البـاب الحـادي عشـر: المجلـس الاقتصـادي والاجتماعـي والبيئي

البـاب الثانـي عشـر: الحكامـة الجيـدة

البـاب الثـالث عشـر: مراجعـة الدستـور

الباب الرابع عشر: أحكام انتقالية وختامية

كل باب من الأبواب المذكور تتألف من عدة فصول والبالغ مجموعها 180 فصلا.

 

 

 

 

تطور الدستور المغربي من حيث الشكل

الترتيب

الدستور

عدد الأبواب

عدد الفصول

الأول

1962

12

110

الثاني

1970

12

101

الثالث

1972

12

103

الرابع

1992

12

102

الخامس

1996

13

108

السادس

2011

14

180

 

المطلب الثاني: المحددات البنائية للدستور والسياق العام:

تأثر الدستور المغربي لسنة 2011 بشكل كبير بسياق ما اصطلح عليه إعلاميا بالربيع العربي، حيث ركز على تعزيز مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.

يعكس الدستور أهمية تنظيم شؤون الحكم والعلاقات بين السلطات في المغرب، مع ضرورة مواكبة التطورات القانونية الدولية.

الحاجة إلى تأهيل المشهد السياسي المغربي، يتطلب ذلك المزيد من الإصلاحات والتطوير، بما في ذلك اعتماد آليات جديدة للمصاحبة والحكامة المتعلقة بسن الدستور.

يلعب التتبع القانوني دورًا هامًا في ضمان جودة التشريع المغربي وفعاليته.

ضرورة اعتماد إستراتيجية ذكية في المجال التشريعي من أجل مواكبة التطورات الدولية وتحقيق التنمية المستدامة.

لهذه الأسباب  فقد تم تعيين لجنة استشارية لمراجعة الدستور التي ترأسها الأستاذ عبد اللطيف المنوني خلالبداية الأسبوع الثاني من مارس عام 2011 أي بعد أقل من 24 ساعة من الخطاب الملكي الذي أعلن فيه الملك محمد السادس عن مراجعة عميقة للدستور.

تتكون اللجنة من رئيس وثمانية عشرة عضوا وهم كالتالي:

الرئيس : السيد عبد اللطيف المنوني: أستاذ للقانون الدستوري (كلية الحقوق الرباط أكدال)، عضو سابق بالمجلس الدستوري..

عمر عزيمان: أستاذ جامعي، مؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ووزير سابق للعدل ولحقوق الإنسان، ورئيس سابق للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان..

عبد الله ساعف: أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق الرباط أكدال، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، ووزير سابق للتربية الوطنية، وعميد سابق لكلية الحقوق بالمحمدية..

 إدريس اليزمي: رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والأمين العام للفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان، ورئيس سابق لمجلس الجالية المغربية في الخارج..

محمد الطوزي: أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالدار البيضاء، وأستاذ بجامعتي إيكس أونبرفانس وباحث بالمختبر المتوسطي للسوسيولوجيا..

 أمينة بوعياش: رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ونائبة رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وعضو سابق بديوان الوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي.

 أحمد حرزني: متخصص في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا، ومدير سابق للمعهد الوطني للبحث الزراعي، ورئيس سابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وكاتب عام سابق للمجلس الأعلى للتعليم..

رجاء مكاوي: أستاذة القانون بكلية الحقوق الرباط أكدال، وعضو المجلس الأعلى للعلماء، ومستشارة قانونية لدى العديد من المنظمات الوطنية والدولية.

 نادية البرنوصي: أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق بالرباط، وبالمدرسة الوطنية للإدارة، ونائبة رئيسة الجمعية الدولية للقانون الدستوري..

ألبير ساسون: عميد سابق لكلية العلوم بالرباط، ومستشار خاص سابق للمدير العام لليونيسكو، وعضو سابق بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان..

عبد الرحمان ليبيك: مزداد بالعيون، قنصل عام للمملكة بلاس بالماس.

 لحسن أولحاج: عميد كلية الحقوق الرباط أكدال، وعضو المجلس الاجتماعي والاقتصادي، وعضو لجنة البيان الأمازيغي.

 إبراهيم السملالي: محام، ورئيس اتحاد المحامين العرب، وكاتب عام سابق لهيئة المحامين بالدار البيضاء ورئيس سابق لهيئة المحامين بالمغرب.

 عبد العزيز المغاري: أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق الرباط أكدال، ورئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري..

محمد البردوزي: أستاذ السوسيولوجيا السياسية بكلية الحقوق الرباط أكدال، وعضو المجلس الأعلى للتعليم..

أمينة المسعودي: أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق الرباط أكدال، وعضو سابق باللجنة الاستشارية للجهوية، وعضو بالجمعية المغربية للقانون الدستوري.

زينب الطالبي: قاضية مكلفة بمهمة في مديرية التشريع بالأمانة العامة للحكومة، وعضو سابق باللجنة الاستشارية لمراجعة المدونة.

محمد سعيد بناني: رئيس غرفة بالمجلس الأعلى ومدير المعهد العالي للقضاء.

 نجيب با محمد: أستاذ القانون الدستوري والحريات العامة بكلية الحقوق بفاس، ونائب رئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري.

وتجدر الملاحظة أن هذه اللجنة الاستشارية عقدت لقاءات ماراثونية مع الأحزاب السياسية باختلاف حجمها وكذا النقابات الأكثر تمثيلية والاقل تمثيلية ، كما عقدت لقاءات أخرى مع هيئات حقوقية ومدنية واجتماعية نسائية تنموية .. دون أن ننسى طبعا لقاءها مع ممثلي عن حركة عشرين فبراير.. والذي تمخض عن ميلاد دستور جديد أكثر ديمقراطية من سابقيه.

 

خاتمة

تُشكّل الخصائص البنائية و اللغوية المميزة لكتابة الوثيقة الدستورية عنصرًا هامًا لضمان وضوحها و دقتها و سهولة فهمها. ولهذا، يجب على كل من يشارك في صياغة الدستور أو تفسيره أن يُدرك أهمية هذه الخصائص و أن يلتزم بها.

وتُعدّ الخصائص البنائية واللغوية المميزة لتصدير الدستور، شاهداً على حرص المشرع الدستوري على صياغة نص قانوني واضح ودقيق، يعكس روح العصر ويتماشى مع التطورات الدولية.

 

المراجع المعتمدة

 

·          ورقة نقاش: صياغة مشروع الدستور - تجارب مقارنة ودروس مستفادة موقع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات

·         موقع www.constituteproject.org المتخصص في عرض دساتير العالم

·         المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات IDEA — دراسة نقدية للدستور المغربي للعام 2011 ص47

·         ورقة بحثية بعنوان وضع وتعديل الدستور من إعداد : أنيسة جلطي اسماعيل اسبايري تحت إشراف: الدكتورعكاشة بن المصطفى جامعة محمد الأول كلية الناظور

·         مدني محمد، القانون الدستوري، مكتبة دار السلام، الطبعة الثانية

·         القانون الدستوري الدكتور عبد الفتاح ساير

·         عوض الليمون، الوسيط في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري، الطبعة الثانية

·         الموقع الرسمي للمركز الديمقراطي العربي https://democraticac.de/ للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية

·         محمد الرضواني، مدخل إلى القانون الدستوري، الطبعة الثانية 2014

·         الدساتير المغربية

ليست هناك تعليقات:
كتابة التعلقيات