الأحد، 26 يناير 2025

دور القاضي الإداري في فض منازعات الصفقات العمومية

 


ماستر تدبير الموارد البشرية والمالية للادارة

مادة : منازعات الصفقات العمومية

دور القاضي الإداري في فض منازعات الصفقات العمومية

 

تقديم

تعد الصفقات العمومية أداة حيوية لتنفيذ السياسات العامة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تمثل الوسيلة الأساسية التي تعتمدها الدولة والإدارات العمومية لإبرام عقود مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين من أجل إنجاز مشاريع أو تقديم خدمات أو توريد منتجات. ومن هذا المنطلق، فإن تنظيم الصفقات العمومية وإدارتها يكتسيان أهمية كبيرة   لضمان حسن سير المرافق العامة وتحقيق مبدأ المصلحة العامة.

 غير أن تعقيد الإجراءات المرتبطة بإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية، وكثرة المتدخلين فيها، يجعلها مجالًا خصباً لظهور المنازعات والخلافات، سواء بين الأطراف المتعاقدة أو بين الإدارة والمتنافسين غير الفائزين، مما يثير تساؤلات قانونية معقدة تتطلب تدخل القضاء للفصل فيها.

 في هذا السياق، يبرز دور القضاء الإداري كجهة مختصة بالنظر في هذا النوع من المنازعات، بالنظر إلى الطابع الخاص الذي تتميز به الصفقات العمومية باعتبارها عقودًا إدارية تخضع لمبادئ القانون العام

المبحث الأول قضاء الإلغاء في منازعات الصفقات العمومية

المطلب الأول:  دعوى الإلغاء أسبابها وشروط قبولها ودور القاضي في هذا الإطار

الفقرة الأولى: أسباب الطعن بالإلغاء

يقصد بدعوى الإلغاء أنها دعوى قضائية ترفع من أجل المطالبة بإلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المتسمة بعدم الشرعية، أو بعبارة أخرى هي الدعوى التي يرفعها أحد الأطراف إلى القضاء الإداري بطلب إعدام قرار إداري مخالف للقانون، نستنتج من خلال هذا التعريف أن القضاء الإداري هو المختص في النزاعات في هذا الشأن أي تطبيق قواعد القانون العام أو بالأحرى القانون الإداري، فدعوى الإلغاء لها عدة أسباب حتى يتم ممارسة الطعون من خلالها،

هذه الشروط هي خمسة نبدأ بعيب عدم الاختصاص، الذي نقصد به هو الصلاحية الموكلة لجهة إدارية قصد اتخاذ ما يلزم من قرارات يقصد أيضا بعدم الاختصاص هو قيام شخص معين باتخاذ قرار إداري لا يدخل ضمن صميم اختصاصاته،

وتجدر الإشارة إلى أن هذا العيب له عدة صور منها، عيب اغتصاب السلطة ونكون في هذه الحالة عندما يصدر القرار من فرد عادي ليست له أي صفة عامة، أو في حالة صدور القرار من سلطة إدارية في موضوع يعود الاختصاص إلى السلطتين التشريعية أو القضائية، ونجد أيضا عيب عدم الاختصاص الموضوعي أي أنه غير داخل ضمن اختصاص السلطة الإدارية المصدرة للقرار ،ونجد أيضا عيب عدم ا لاختصاص المكاني خاص بالمكان، ونجد أيضا عيب عدم الاختصاص الزمني، عندما يمارس الموظف اختصاصات وظيفته خارج حدود الأجل أو المدة التي يتولى فيها تلك الوظيفة.

ومن ضمن مميزات عدم الاختصاص كما أكد الأستاذ الميلود بوطريكي أنه هو العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام ويجب على القاضي أن يثيره ولو لم يطلب الأطراف ذلك، بحيث تحدد هذه الاختصاصات إما بواسطة قواعد دستورية، أو تشريعية، أو تنظيمية، أو استنادا إلى العرف أو العمل القضائي، وعموما تتحدد فكرة الاختصاص في مجال الصفقات العمومية بعدة عناصر وهي ثلاثة العنصر الأول، وهو عنصر شخصي ويتجلى ذلك من خلال التأكد ممن لهم الحق في إبرام الصفقة، ومن له الحق في أن يكون مدعيا أو مدعى عليه في دعوى الصفقة العمومية. نجد أيضا العنصر الثاني وهو العنصر الموضوعي بالبحث في طبيعة الأعمال موضوع الصفقة العمومية للتأكد من اختصاص الجهة المبرمة لعقد الصفقة والمحكمة المختصة بالنظر في النزاع المطروح عليها، ونجد أخر عنصر وهو العنصر المكاني وذلك بتحديد النطاق الترابي لاختصاص المحكمة أي النطاق الجغرافي للمحكمة الذي تختص فيه بالقضايا المتنازع فيها.

الفقرة الثانية: شروط قبول دعوى الإلغاء ودور القاضي الإداري في هذا المجال

لقبول دعوى الإلغاء هناك عدة شروط يجب أن تتوفر حتى يتم قبول دعوى الطعن بالإلغاء وهي الصفة والمصلحة والأهلية، وكما هو معلوم أنه من الثابت أنه لا يصح التقاضي إلا لمن توفرت فيه الشروط الثلاثة السالفة الذكر فالصفة والمصلحة في دعوى الإلغاء متلازمتان إذ تستمد الأولى من ثبوت الثانية كما تفسر هذه الأخيرة بمفهومها الواسع بالنظر لطبيعة الطعن بالإلغاء وخصائصه باعتباره دعوى عينية. وعموما فشروط قبول دعوى الإلغاء يمكن إجمالها فيما يلي: الشروط المتعلقة برافع الدعوى أو طالب الطعن هذه الشروط المتمثلة في عدم وجود دعوى موازية وأيضا مع توفر شرط المصلحة والأهلية والصفة، وأيضا الشروط المتعلقة بالقرار المطعون فيه المتمثلة في وجوب صدور القرار عن سلطة إدارية، ووجوب أن يكون القرار ذو صبغة تنفيذية.

فكما نعلم جميعا أن دعوى الإلغاء هي دعوى إدارية يكفلها القضاء الإداري فهي دعوى توجه ضد قرار إداري صادر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة على خلاف العقد الإداري الذي يعتبر نتاج توافق إرادتين دون نسيان أن دعوى الإلغاء تعتبر دعوى عينية وتتعلق بأوجه المشروعية المنصوص عليها بالفصل    20 من قانون المحاكم الإدارية بخلاف دعوى المنازعة العقدية التي تعتبر دعوى شخصية تستهدف موضوع العقد الإداري، فدعوى الإلغاء هي العمود الفقري للقضاء الإداري نظرا لثقلها التاريخي على مستوى نشأتها وتطورها، ونظرا لدورها الفعال في إقرار الرقابة القضائية على نشاطات الإدارة. فقاضي الإلغاء دوره جد مهم، وتجدر الإشارة أن سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات ثابتة ولو لم ينص عليها العقد لأن هذا الامتياز الذي تتمتع به الإدارة يعتبر من النظام العام ولا تستطيع التخلي عنه مسبقا، ففي إطار تنفيذ عملية الصفقة العمومية تتخدد الإدارة قرارات استنادا إلى القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل، فالقرارات الصادرة في هذا الإطار نابعة من إرادتها المنفردة فتستطيع الإدارة أن توقع على المتعاقد معها بعض الجزاءات دون لجوؤها إلى القضاء وهذا يمكنها من تنفيذ العقد وفق الشروط والمواصفات المتفق عليها ،وهذا بديهي فالإدارة همها المصلحة العامة لذلك تتميز بامتيازات غير مألوفة في مواجهة الطرف المتعاقد

المطلب الثاني : الطعن بإلغاء القرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية والأثار المترتبة عن دعوى الإلغاء

الفقرة الأولى: الطعن بإلغاء القرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية

تتميز العقود الإدارية بما فيها عقود الصفقات العمومية أنها تتم في سياق مجموعة من المراحل و من بينها المرحلة التمهيدية لعقد الصفقة العمومية، والتي بموجبها تعمل الإدارة عبر مجموعة من القرارات الإدارية للتمهيد لإبرامها، فهي قرارات إدارية تخضع لرقابة قاضي الإلغاء للنظر في مدى احترامها للنصوص القانونية الجاري بها العمل والتي تلزم الإدارة بإتباعها عند  مباشرة إبرام عقودها الإدارية استنادا إلى نظرية القرارات المنفصلة عن العقود الإدارية، وعموما فنطاق تدخل قاضي الإلغاء يتجلى في نطاقين

الفرع الأول:  الطعن بإلغاء القرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية

في مجال منازعات الصفقات العمومية يجب أن تكون غير متصلة بعقد الصفقة أي منفصلة عنه حتى يسوغ لقاضي الإلغاء النظر فيها، وفي إطار نظرية القرارات المنفصلة عن العقد الإداري يجب التمييز بين القرارات الممهدة لإبرام العقد الإداري والمرتبطة بعملية المنافسة والقرارات الإدارية المرتبطة بعملية إبرام الصفقة والمصادقة عليها والقرارات الإدارية المرتبطة بتنفيذ عقد الصفقة.

أولا- القرارات الممهدة لإبرام العقد الإداري والمرتبطة بعملية المنافسة

وفي هذا السياق يعمل القاضي الإداري على مراقبة القرارات الإدارية التي ولو صدرت من غير الإدارة المتعاقدة مثال على ذلك القرار الإداري الذي يهم رفض منح شهادة الضمان الاجتماعي من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهي من ضمن الشهادات المطلوبة الواجب توفرها للمتنافس من أجل المنافسة لنيل الصفقة العمومية فهو يعتبر قانونا قرارا إداريا منفصلا وممهدا لإبرام الصفقة العمومية، ويمكن الطعن فيه بالإلغاء مالم ينسجم مع المقتضيات الواردة في النصوص القانونية.

ويعتبر قرار الإقصاء من المنافسة الأكثر نزاعا في مجال منازعات الصفقات العمومية ، بحيث أن لجنة طلب العروض هي المسؤولة في هذا الخصوص فتتأكد من طلبات المنافسة ومدى مطابقتها لمرسوم الصفقات العمومية، فإذا كان العرض مستوفيا لشروطه غير مخالف للقانون والمقتضيات القانونية الجاري بها العمل تقبل الطلب، وعلى خلاف ذلك إذا كان مخالفا للقانون أو لم يحترم الشكليات الواجب احترامها هنا تقوم برفض الطلب وتقوم بإقصاء صاحب الملف من المنافسة، لكن إذا تبين العكس لصاحب العرض ولاحظ أن هناك تحيزا أو شطط في استعمال السلطة جاز له الدفع بإلغاء القرار الإداري.

فالقاضي الإداري يجب عليه أن يراقب عمل الإدارة وبالخصوص لجنة طلب العروض وأنها تمارس عملها في إطار القانون وأن يتأكد من عدم وجود شطط في استعمال السلطة أو إقصاء للمتنافسين من أجل فوز شخص معين بالصفقة المراد نيلها

وفي هذا السياق نجد في حكم عن المحكمة الإدارية بأكادير بتنصيصها على ما يلي:

1 حيث إن سبب الإقصاء يعود بذلك إلى وجود أخطاء مادية في مراجع وأرقام الوثائق المدلى بها ولا يعود مطلقا إلى نقصان الضمانات والمؤهلات التقنية والقيمية والمهنية، كما جاء في جواب الإدارة

-2حيث يتجلى مما ذكر أعلاه أن الأسباب المرتكز عليها لإقصاء الطاعنة لا تعتمد على

معطيات واقعية أو قانونية بقدر ما تشكل ذريعة غير مقنعة لإقصاء الطاعنة وحيث إن القرار المطعون فيه يكون والحالة ما ذكر متسما بتجاوز استعمال السلطة الأمر الذي يقتضي إلغائه مع ما يترتب عن ذلك قانونا وفي المقابل فقرار الإقصاء إذا كان بناء على القانون يتم قبوله وكل الطعون المقدمة في هذا الشأن تعتبر مرفوضة، وهذا نجده في حكم عن المحكمة الإدارية بفاس والذي قضت من خلاله بشرعية قرار لجنة طلب العروض في إقصاء المتنافس لكون أن العروض الأخرى توفرت على الشروط والمؤهلات الأفضل لنيل الصفقة العمومية

ثانيا: القرارات الإدارية المرتبطة بعملية إبرام والمصادقة على الصفقة العمومية.

إن القرار الصادر بإبرام العقد هو قرار إداري يخضع لاختصاص قاضي الإلغاء لأنه لا وجود للعقد قبل صدور هذا القرار بحكم أنه يشكل نقطة الانطلاق لسريان العقد الإداري، وبذلك فإنه يعتبر قرارا منفصلا عن العملية التعاقدية ويجوز الطعن فيه بالإلغاء بصورة مستقلة عن العقد، وقد قبلت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هذا الأمر أي اعتبار القرارات التي تهم إبرام عقد الصفقة العمومية تدخل في دائرة القرارات المنفصلة عنها

يعتبر قرار التوقيع على عقد الصفقة بمثابة العملية التي من خلالها تعبر الإدارة صاحبة المشروع عن رغبتها قانونا في إبرام عقد الصفقة العمومية، ويجب أن يتم في ظروف قانونية حتى لا يتعرض للطعن بالإلغاء جراء مخالفة معينة، فقرار التوقيع على عقد الصفقة هو قرار منفصل عنها، وبالتالي يقبل الطعن بالإلغاء وهو ما كرسه حكم عن المحكمة الإدارية بأكادير وذلك بتنصيصها( يكون قابلا للطعن بالإلغاء قرار توقيع العقد ذاته والذي لا يتخذ شكلا مميزا ماديا وإنما يترجم وجوده بالتوقيع على العقد مع ما يترتب عن ذلك قانونا

الفرع الثاني :  القرارات الإدارية المرتبطة بتنفيذ عقد الصفقة

في هذا الإطار يجب التفريق بين القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة من أجل تنفيذ الأعمال المتفق بشأنها، والقرارات الإدارية المنفصلة التي تتخذها الإدارة في إطار مخالفة صاحب الصفقة لشروط تكتسي طابعا وتشريعيا تنظيميا خارج عما هو متضمن في البنود التعاقدية لعقد الصفقة.

وقد سار القضاء المغربي على نهج مجلس الدولة الفرنسي حيث اعتبر أن قرار الفسخ متى كان مستندا إلى نصوص القانون اعتبر قرارا إداريا مما يجوز الطعن فيه بالإلغاء، وتجدر الإشارة أن هذه الطعون يكون لها تأثير واضح على وضعية المتعاقد مع الإدارة أو حتى على تنفيذ العقد، والإدارة في هذه الوضعية أي وضعية الطعن بإلغاء قراراتها إنما تتخذها بوصفها سلطة إدارية وليس بوصفها متعاقدا.

ويظهر جليا من خلال ما سبق أن هذه القرارات خارجة وفي منحى تام عن الالتزامات التعاقدية بل تستند إلى ما هو قانوني تشريعي أو تنظيمي، وفي هذا السياق نجد حكم عن المحكمة الإدارية بمكناس حيت ينص على ما يلي: )القرارات المتصلة بتنفيذ العقد الإداري تكون بصفة استثنائية محلا للطعن بالإلغاء إذا اتخذت في إطار القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

بالإضافة إلى ذلك فالقرارات الإدارية المرتبطة بدفتر الشروط الإدارية الخاصة أي بالبنود التعاقدية فهي تخضع للقضاء الشامل، أما القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة في إطار البنود الواردة في دفتر الشروط الإدارية العامة تعتبر في عداد القرارات الإدارية المتخذة في إطارالقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ويختص بها قاضي الإلغاء، وهو ما أكدته عدة أحكام قضائية منها حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء القاضي بإلغاء قرار صادر عن المدير الإقليمي للفلاحة بإلزام الطاعن بذعائر عن الصفقة بالاستناد إلى دفتر الشروط الإدارية العامة سنة .

فدعوى الإلغاء تتميز بأنها يمنع على القاضي الإداري أن يوجه أوامر للإدارة أو يوجه عملها لأن هذا من اختصاص القضاء الشامل كما يؤكد الدكتور الناجم اباه وفي هذا الصدد نجد في حكم سابق للمحكمة الإدارية بالرباط حيث أكدت أن القرارات المتصلة بعقد الصفقة العمومية لا يقبل الطعن بإلغائها لكون ذلك من اختصاص القضاء الشامل.

وقبل الختام نشير إلى معطى أساسي وهو قرار الفسخ الذي يجب أن يكون معللا من طرف الإدارة حتى يتسنى للقاضي الإداري معرفة إن كان الفسخ مبنيا على أساس القوانين أم على أساس البنود التعاقدية، ليتم تحديد الجهة المختصة في البث إما القضاء الشامل ام قضاء الإلغاء وهذا يظهر جليا من خلال حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في قضية شركة بيونيت صد المكتب الوطني للسكك الحديدية.

وبالتالي يمكن القول بأن قاضي الإلغاء يدافع على مبدأ المشروعية في إطار منازعات الصفقات العمومية سواء كان ذلك ما قبل إبرام عقد الصفقة العمومية أو أثناء تنفيذها انطلاقا من نظرية القرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية

الفقرة  الثانية:  الأثار المترتبة عن دعوى الإلغاء

الأثار المترتبة عن دعوى الإلغاء في مجال منازعات العقود الإدارية وبالأخص منازعات الصفقات العمومية تبقى محدودة الأثر ولا تؤدي لنتائج حقيقية أو بعبارة أخرى النتائج المرجوة، فنظرية القرارات المنفصلة تقوم على أساس عدم تأثر العقد الأصلي بصدور حكم قضائي نهائي يقضي بإلغاء القرار المنفصل سواء كان هذا القرار قد أسهم في تكوين العقد أو في تنفيذه أو إنهائه استنادا لمبدأ نسبية العقود القاضي بعدم إلزامية العقد إلا لطرفيه. فالعديد من الفقهاء يرون أن إلغاء القرار المنفصل ليس من شأنه أن يؤثر على نفاذ العقد بل إن الفائدة التي يمكن أن يتم الحصول عليها من الإلغاء لا تعدو أن تكون ذات طابع معنوي أو مالي.

فالرابطة التعاقدية لا تتأثر بفعل الإلغاء وفي هذا الإطار ينبغي التمييز بين كون الحكم القضائي القاضي بالإلغاء قد صدر قبل إتمام إجراءات التعاقد، وبين الحالة التي يكون فيها الحكم قد صدر بعد إبرام العقد بصورة نهائية، ففي الحالة الأولى وهي حالة ناذرة فإنه يتعين على الإدارة أن تتقيد بحجية الشيء المقضي، وأن تمتنع عن إتمام إجراءات التعاقد وإلا تكون خالفت القوة المطلقة لحكم الإلغاء، أما في حالة صدور حكم بالإلغاء بعد إبرام العقد، وهي الحالة الأكثر انتشارا من الناحية العملية، فإنه تثار عدة إشكالات بهذا الخصوص ومن ضمن الأثار كذلك أنه يتم إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل إصدار القرار المطعون فيه مع إمكانية لجوء الطرف المتضرر إلى القضاء الشامل من أجل المطالبة بالتعويض عن كل ما لحقه من ضرر سواء في الواقع حينه أو المتوقع حدوثه فيما بعد.

 

المبحث الثاني القضاء الاستعجالي في منازعات الصفقات العمومية

المطلب الأول: شروط رفع الدعوى   الاستعجالية

الفقرة الأولى: الشروط الشكلية لرفع الدعوى الاستعجالية والجهة المختصة بالنظر فيها

يقصد بالاستعجال

يقصد بالاستعجال هو ذلك الخطر الحقيقي الذي يهدد الحق المراد المحافظة عليه باتخاذ إجراءات سريعة لا تحتمل التأخير والانتظار، ولا يمكن أن تتحقق عن طريق قضاء المحاكم الإدارية، فالمراد به تفادي ضرر مؤكد يصعب تداركه إذا حدث كإثبات حالة يخشى من زوال معالمها مع مرور الوقت فهو يتحدد بظروف كل دعوى وملابساتها وظروف الحق المراد

عنصر الاستعجال

وتجدر الإشارة إلى أن عنصر الاستعجال يخضع للسلطة التقديرية للقاض ي بحيث لا يجوز للخصوم القول بوجود حالة الاستعجال في دعواهم بناء على اتفاقهم أو رغبة أحدهم في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في إحدى قراراته ) في كل الحالات المستعجلة ترفع القضية لقاض ي الأمور المستعجلة الذي له سلطة مطلقة لتقدير الحالات المختلفة التي من شأنها أن تدخل في اختصاصه67( ، وعموما يمكن تعريف القضاء الاستعجالي بكونه جهة قضائية مستقلة تبث في أمور وقتية تحفظية على وجه السرعة ودون المساس بأصل الحق بمقتض ى أوامر مشمولة بالنفاذ المعجل

مميزات الدعوى الاستعجالية

وعموما تتميز الدعوى الاستعجالية أنها لا تتوقف على تحقيق شرط الأهلية للتقاضي سواء بالنسبة لرافعها او المرفوع ضده، بل يكفي توفر الصفة والمصلحة بخلاف الدعاوى العادية حيث يشترط في رافعها أهلية التقاضي إضافة إلى شرطي الصفة والمصلحة وهذا بسبب أن الأمور المستعجلة ذات طابع وقتي تحفظي فالسرعة مطلوبة في الدعاوى الاستعجالية تفاديا لضياع الحقوق، فالحصول على الأهلية يأخذ وقتا بحيث لها شروط معينة من تراخيص مما قد يأخذ وقتا طويلا لذلك الأهلية غير مطلوبة في الأمور المستعجلة لتعارضها معه، وليس فقط شرط الأهلية بل أيضا شرط الإذن بالتقاض ي يتم الاستغناء عنه في الحالات التي يشترط فيها


شروط دعوى الاستعجال

كيفية رفع الدعوى الاستعجالية في منازعات الصفقات العمومية

ترفع عن طريق مقال مكتوب وموقع عليه من طرف محام مسجل في إحدى هيئات المحامين بالمغرب يتضمن بيانات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية دون نسيان البيانات المتعلقة بالصفقة العمومية نوعها وطبيعتها وإن كان الأمر يتعلق بمرحلة من مراحل تنفيذ بنود عقد الصفقة أم بمرحلة من مراحل إبرامها ،وفي الطلب الاستعجالي المتعلق بوقف تنفيذ القرار الإداري يشترط أن يكون مقترنا بطلب إلغائه لدى قضاء الموضوع وأن تكون له قوة تنفيذية مؤثرة في مراكز الأطراف وأن لا يكون له تأثير سلبي على المصلحة العامة

  اختصاص رئيس  المحكمة الادارية في الأمور الاستعجالية

كان الاختصاص في المادة الاستعجالية قبل إنشاء المحاكم الإدارية موكولا لرئيس المحكمة الابتدائية سواء كانت القضية ذات طبيعة مدنية أو إدارية، لكن بمجرد دخول أحكام القانون 90ـ41 حيز التنفيذ

أصبح رئيس المحكمة الإدارية في المادة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات هو صاحب الاختصاص العام انطلاقا مما نصت عليه المادة 19من قانون المحاكم الإدارية التي تصرح بانه )يختص رئيس المحكمة الإدارية او من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية.

فرئيس المحكمة الإدارية ينظر في كل طلب يكتس ي طابع الاستعجال وله ارتباط بمنازعة إدارية من المنازعات الإدارية المحددة في الفصل 8 من قانون 41-90 ، وذلك لأن القضاء الإداري الاستعجالي قضاء تابع فكلما انعقد الاختصاص الذاتي لهذه المحاكم انعقد الاختصاص للقضاء الاستعجالي، وهذا يجد تكريسا له ففي أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بوجده جاء فيه )حيث إنه من المعلوم أن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية هو جزء منها وإن اختصاصه مستمد من اختصاصها وحيث أنه بتقرير اختصاص المحاكم الإدارية للنظر في دعاوي الاعتداء المادي يكون قاض ي المستعجلات لهاته المحاكم مختصا بالنظر في جميع الإجراءات الوقتية المتعلقة بهذا الموضوع.

وعموما فمن خلال المادة 19 من قانون المحاكم الإدارية أصبح القاضي الاستعجالي الإداري وريث الاختصاصات التي كان يمارسها القاضي الاستعجالي العادي قبل إحداث المحاكم الإدارية، وفي الأخير فنطاق اختصاص قاض ي المستعجلات بالنسبة للمحاكم الإدارية يتمثل في النظر في كل ما يكتسي طابع الاستعجال والتوقيت وله ارتباط بإحدى المنازعات التي عددتها   المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية

الفقرة الثانية :  الشروط الموضوعية لرفع الدعوى الاستعجالية

شرط الاستعجال

تتجلى حالة الاستعجال في وجود حق أو مال أو مصلحة مهددة بضرر فوري يصعب استدراك عواقبه بدون تدخل هذا التدخل يتم عن طريق أمر استعجالي صادر عن القضاء الاستعجالي للحفاظ على هذه الحقوق

فإن التعريف سالف الذكر لم يورده المشرع المغربي بل هذا الأخير لم يعطي تعريفا محددا له بل اكتفى بمضمون الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية بحيث أن رئيس المحكمة هو قاض  المستعجلات ، لكن بالعودة إلى تعريف عنصر الاستعجال نجد أن الفقه تصدى لهذا التعريف، فبالإضافة للتعريف السالف الذكر عرفه البعض بكونه الخطر المحدق بالحقوق والمصالح التي يراد المحافظة عليها وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب فيها فوات الوقت حصول ضرر يتعذر إصلاحه، بينما البعض الأخر عرفه بكونه حالة من الحالات تقتضي تدبيرا فوريا يخش  إن لم يتخذ هذا التدبير حدوث ضرر لا يمكن تداركه في المستقبل

شرط عدم المساس بالموضوع

ينص الفصل 152من قانون المسطرة المدنية )لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقض ي به في الجوهر.

وقد عرفت محكمة النقض عنصر عدم المساس بجوهر الحق في قرار لها بحيث جاء فيه مايلي ) المقصود بعدم المساس بجوهر الحق الذي يمنح قاض ي المستعجلات التعرض إليه، هو كل ما يتعلق بالحق وجودا وعدما ،ومن ذلك ما يمس صحته أو يؤثر في كيان أو يغير فيه أو في الأثار القانونية التي رتبها له القانون، وبالتالي ليس كل ما يثار من منازعات أمامه يحد من سلطته، ويثنيه عن فحصها بدعوى مساسه بأصل الحق، بل إنه من واجبه أن يقدر قيمة ما يعرض عليه في حدود ما يتطلبه البت في الإجراء الوقتي المطلوب، وما يلزم لمعرفة أي من الطرفين أجدر بالحماية الوقتية التحفظية دون تأثيره أو حسمه في موضوع النزاع

 

المطلب الثاني: مظاهر تدخل القضاء الاستعجالي في منازعات الصفقات العمومية

الفقرة الأولى: تدخل قاضي المستعجلات الإداري في مرحلة ما قبل إبرام عقد الصفقة العمومية

في مرحلة ما قبل التعاقد يظل تدخل القضاء المستعجل الإداري في مجال الصفقات العمومية جد محدود وذلك راجع إلى غياب تشريع ينظمه عكس التشريع الفرنسي، فمقتضيات المادة 19من قانون المحاكم الإدارية غير قادرة على استيعاب منازعات المنافسة التي تنشأ قبل إبرام العقد خاصة وأن الاجتهاد القضائي المغربي مستقر على أن إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية في نطاق المادة 24 من قانون المحاكم الإدارية يدخل في ولاية قضاء الموضوع ولا يختص به قاضي المستعجلات لما فيه من مساس بالجوهر من خلال مناقشة مشروعية القرار الإداري 105، فالعمل القضائي المغربي يكاد يخرج كل المنازعات المتعلقة بالمنافسة )ما قبل التعاقد( من نطاق اختصاص القضاء المستعجل،  ويدرجها ضمن الاختصاص الاستعجالي لمحكمة الموضوع الإدارية في إطار المادة 24من قانون المحاكم الإدارية

الفقرة الثانية: تدخل قاضي المستعجلات الإداري في مرحلة ما بعد إبرام عقد الصفقة العمومية

تدخل القضاء الاستعجالي في منازعات الصفقات العمومية بعد إبرام عقد الصفقة وهي الخبرات القضائية في مجال الصفقات العمومية، بحيث تعتبر الطلبات الرامية إلى إجراء خبرة أو معاينة حضورية على الأشغال المنجزة في إطار الصفقة العمومية من بين الطلبات الاستعجالية المعروضة على القضاء الإداري المغربي بكثرة، بحيث يفضل المتقاضي اللجوء إلى القضاء الاستعجالي من أجل الأمر بإجراء معاينة وخبرة حضورية بواسطة خبير لإثبات وفائه بإلتزاماته ويتأرجح قاضي المستعجلات بين قبول هذه الدعوى ورفضها ففي أمر استعجالي ورد فيه ما يلي )حيث يهدف الطلب إلى استصدار أمر بإجراء خبرة حضورية لمعاينة الأشغال موضوع الصفقة ... وقيمتها المالية وفقا لثمنها المحدد بمقتضى هذه الصفقة.

وبعد أن انتهينا من الخبرات القضائية في مجال الصفقات العمومية كمظهر من مظاهر تدخل القاض ي الاستعجالي نمر الأن للمظهر الثاني، وهو الطلبات المتعلقة بالضمانات، بحيث قد يتم عرض بعض الطلبات المتعلقة بالضمانات المقدمة في إطار الصفقات العمومية على أنظار القضاء الاستعجالي،وذلك في إطار المطالبة برفع يد الإدارة عن مبلغ الضمانة أو طلب إيقاف استخلاصها لفائدته.

والأكيد أن أي إجراء يخص تلك الضمانات يستدعي مناقشة مشروعية موقف الإدارة بشأن فسخ العقد أو الصفقة، بما يعنيه ذلك من أن الاستجابة للطلب قد تؤدي بقاض ي المستعجلات إلى المساس بالجوهر والفصل في مشروعية الفسخ، ولذلك فالأوامر الاستعجالية ما فتئت ترفض الاستجابة لمثل هذه الطلبات أو تقضي بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت فيها

خاتمة

في ختام هذه الدراسة حول دور القضاء الإداري في منازعات الصفقات العمومية، يظهر جليا أن الصفقات العمومية تشكل جزءا محوريا في النشاط الإداري للدولة، ليس فقط كوسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل أيضا كأداة تعكس مستوى الشفافية والنزاهة في إدارة المال العام. ويعد القضاء الإداري آلية أساسية لضمان احترام القواعد القانونية التي تحكم هذا المجال الحساس.

لقد أبرزت الدراسة أن القضاء الإداري المغربي يقوم بدور مركزي في مراقبة مختلف مراحل إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية، سواء من خلال رقابة المشروعية على القرارات الإدارية المتعلقة بهذه الصفقات أو من خلال الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين الإدارة والمتعاقدين. وقد انعكس هذا الدور على تعزيز ثقة المتعاملين مع الإدارة، سواء كانوا مستثمرين محليين أو أجانب، بفضل ما تكرسه الأحكام القضائية من مبادئ تضمن الشفافية والمساواة بين الأطراف.

ورغم ذلك، يواجه القضاء الإداري تحديات كبيرة، أبرزها تزايد حجم المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية وتعقيد التشريعات المنظمة لها، مما يتطلب تطوير آليات عمل المحاكم الإدارية وتوفير التكوين المستمر للقضاة المتخصصين في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطورات الاقتصادية والاجتماعية، مثل ظهور الصفقات المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، تفرض تحديات جديدة على القضاء الإداري، ما يستدعي توسيع نطاق الاجتهاد القضائي لمواكبة هذه التحولات

 

ليست هناك تعليقات:
كتابة التعلقيات