الأحد، 26 يناير 2025

الحماية القضائية للمتعاقد من فسخ الصفقة العمومية

  

المبحث الأول: الأسس النظرية لنهاية الصفقة العمومية عبر فسخ العقد

المطلب الأول: مفهوم وأسس فسخ العقد

الفرع الأول: المفهوم

الفرع الثاني: الأسس

المطلب الثاني: حالات الفسخ

الفرع الأول: الفسخ الإداري

الفرع الثاني: الفسخ بقوة القانون

الفرع الثالث: الفسخ القضائي

المبحث الثاني: الحماية القضائية للمتعاقد من قرار فسخ عقد الصفقة

المطلب الاول: رقابة القضاء الاداري على الاجراءات المسطرية

الفرع الاولى: الاعذار

الفرع الثاني: مراقبة القضاء لتعليل قرار الفسخ

المطلب الثاني: الرقابة القضائية لمشروعية وملائمة قرار فسخ الصفقة والحق في التعويض

الفرع الأولى مشروعية قرار الفسخ

الفرع الثاني: ملاءمة جزاء الفسخ مع إخلالات المتعاقد

الفرع الثالث: الحق في التعويض

 


 


 

 

 

المبحث الأول: الأسس النظرية لنهاية الصفقة العمومية عبر فسخ العقد

المطلب الاول: مفهوم وأسس فسخ العقد

الفرع الأول: المفهوم

لم يعطي المشرع المغربي لمفهوم فسخ عقد الصفقة العمومية تعريفا واضحا من خلال المراسيم المتعاقبة على تأطير الصفقات العمومية منذ 1965 وصولا الى المرسوم الحالي الصادر في 8 مارس2023 مكتفيا بتعريف فسخ العقد الوارد في قانون الالتزامات والعقود من خلال الفصل 259 منه والذي نص على انه "اذ كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، مادام تنفيذه ممكنا، فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين "1.

وهو نفس الاتجاه الذي سايره المشرع المصري الذي بدوره لم يعط تعريفا صريحا للفسخ من خلال قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998الملغى بموجب المادة 03 من القانون رقم 182 لسنة 2018 المتعلق بإصدار قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة وأكتفى بذكر حالات الفسخ التلقائي وذلك من خلال نص المادة 24 منه وشروط الفسخ من خلال المواد 25-75 و 84 منه 2.

ولقد تنوعت أراء الفقهاء حول تعريف الفسخ وتعددت وجهات نظرهم فهناك من عرفه على أنه ذلك الجزاء المتشدد الذي توقعه الإدارة صاحبة العمل على المقاول الذي أخل بتنفيذ التزاماته بشكلجسیم3غيران هذا التعريف جاء قاصرا كونه حدد سبب الجزاء فقط والناجم عن إخلال المتعاملالمتعاقد بالتزاماته "إخالال" "جسيم دون تبيان إن كان ينهي العالقة التعاقدية من عدمها .

 

كما عرف على أنه جزاء يجوز للإدارة توقيعه على المتعاقد يضع نهاية للرابطة التعاقدية بينهما، وفي الغالب تستخدم الإدارة هذا الجزاء في حالة ارتكاب المتعاقد خطأ جسيما في تنفيذ التزاماته التعاقدية، فتملك الإدارة فسخ العقد بإرادتها المنفردة حتى ولو لم ينص العقد على هذا الحق، دون الحاجة إلى انتظار موا افقة القضاء على إيقاعه 4.

وقد عرف فسخ عقد الصفقة كذلك على انه عبارة عن حدث استثنائي وعارض يترتب عليه نهاية مسبقة أو مبكرة للصفقة ويؤدي إلى إيقاف تنفيذ العقد قبل أوانه 5.

الفرع الثاني: الأسس

اختلف الفقه حول الأساس القانوني لنظام الفسخ حيث أنه لم يستقر على رأي موحد، فهناك من أسس الفسخ على وجود شرط فاسخ ضمني في العقد وهذا الرأي أنتقد من طرف الفقه الفرنسي، حيث اعتبر أن الفسخ لا يتقرر كقاعدة إلا بعد النطق به من طرف القضاء، وتواجد الشرط الفاسخ يؤدي إلى انحلال العقد بقوة القانون بمجرد الإخلال بهذا الشرط، وهناك اتجاه فقهي أخر ربط مسألة توقيع الفسخ بوجود إخلال في تنفيذ الالتزامات ومنه فإن الفسخ يتسم بعدة خصائص منها:

يعتبر من امتيازات السلطة العامة حيث أن الإدارة مقيدة بدافع المصلحة العامة في حالة ممارستهاللفسخ بصورة منفردة، يعد قرار الفسخ من القرارات المتصلة بعقد الصفقة العمومية،

كما يعتبر الفسخ وسيلة لإنهاء الرابطة التعاقدية بين الإدارة والمتعاقد لا يمكن اللجوء له إلا إذا ارتكب المقاول خطأ جسيما.

وسلطة الإدارة في توقيع الفسخ لا يحد منها إلا القاضي الاداري الذي يراقب مدى احترام الإدارةللإجراءات قبل توقيع قرار الفسخ.

المطلب الثاني: حالات الفسخ

قد ينتهي العقد الإداري نتيجة فسخه من طرف الإدارة أو باتفاق الأطراف، وقد يصبح مفسوخا بقوة القانون نتيجة القوة القاهرة أو موت المتعاقد أو دخول المقاولة لمرحلة التصفية القضائية، ويمكن للإدارة أن تلجأ إلى فسخ العقد بصورة منفردة كجزاء، وحالات فسخ الصفقة العمومية يؤطرها المرسوم المحدد لشروط الإدارية العامة، وتتوزع حالات فسخ الصفقة العمومية، بين الفسخ إداري و بقوة القانونوالقضائي.

الفرع الأول الفسخ الاداري1

) الفسخ الاتفاقي:

قد يعاني صاحب المشروع من صعوبات مالية أو يستحيل عليه الاستمرار في الصفقة العموميةلأمر ما، أو عدم تمكن صاحب المقاولة من تنفيذ التزاماتها، وبالتالي يتم اللجوء إلى اتفاق بين أطرافمعالعقد على فسخه ضد قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وقد يتم الاتفاق كذلك على كيفية تعويض المتعاقد الإدارة عن الخسارة الناتجة له من جراء الفسخ الاتفاقي، حيث يظهر بوضوح احترام إرادة طرفي العقد،ومراعاة مبدأ الرضائية في نطاق العقود الإدارية.

(2) الفسخ الإداري كجزاء

قد تلجأ الإدارة إلى الفسخ كجزاء، على إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية أو ارتكابه مخالفة واضحة، تجعل تنفيذ العقد صعبا، ورغم تمتع الإدارة بالسلطة التقديرية في توقيع جزاء الفسخ إلا أنها تظل خاضعة لرقابة القاضي الاداري ومقيدة بمبدأ المصلحة العامة.

الفرع الثاني الفسخ بقوة القانون

هناك حالات معينة يمكن أن تنتهي فيها الصفقة العمومية بقوة القانون كهلاك محل العقد أو حدوث قوة قاهرة أو نتيجة وفاة المتعاقد أو خضوع المقاولة لصعوبة استمرارية في التنفيذ.1

(1) حالة هلاك محل العقد

يقصد بمحل العقد الشيء الذي تم التعاقد من أجله حيث أن هلاك هذا الأخير يؤدي إلى فسخ العقد بقوة القانون لكون محل العقد لم يعد له وجود، وقد يكون هلاك محل العقد ناتج عن سبب خارج عن إرادة الطرفين حيث لا يتحمل أي منهم مسؤولية التعويض، وإذا كان هلاك محل العقد بسبب الإدارة هو الشأن في فعل الأمير فان المتعاقد يستحق تعويضا كاملا .

(2) حالة القوة القاهرة :

القوة القاهرة في العقود الإدارية تختلف عن العقود الخاصة، فلها مدلول خاص وهي ذلك الحادث الخارجي، الذي يستحيل توقعه واستحالة دفعه، وتؤدي إلى استحالة تنفيذ العقد استحالة مطلقة، ونظرية القوة القاهرة تختلف عن نظرية الظروف الطارئة، في كون هذه الأخيرة لا تجعل التنفيذ مستحيلا بل تجعله مرهقا فقط، ويمكن للمتعاقد المطالبة بالتعويض نتيجة الأضرار الناتجة عن قلب اقتصاديات العقد على خلاف القوة القاهرة التي لا تعطي للإدارة امكانية إرغام المتعاقد على تنفيذ التزاماته ولا توقع عليه الجزاءات المالية أو غرامات التأخير نتيجة عدم تنفيذ العقد بسبب القوة القاهرة لأن الأمر خارج عن إرادته.

3) حالة وفاة المتعاقد

المتعاقد مع الإدارة ملزم بتنفيذ مقتضيات العقد بصفة شخصية وفق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، إلا أنه قد يحدث أن يتوفى المتعاقد مع الإدارة، وفي هذه الحالة تفسخ الصفقة بقوة القانون وفق المادة 28 من دفتر الشروط الإدارية العامة [23]، إلا أنه يمكن للإدارة صاحبة المشروع أن تعطي امكانية استمرار تنفيذ مقتضيات الصفقة بواسطة الورثة في حالة قبولهم .[

4) حالة خضوع المقاولة للتصفية القضائية

نصت المادة 48 من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لفائدة الدولة على أن العقد يفسخ بقوة القانون في حالة خضوع المقاولة للتصفية القضائية وبدون تعويض، ما عدى إذا قامت السلطة الإدارية المختصة بمنح ترخيص لسنديك لمواصلة أشغال المقاولة.

الفرع الثالث الفسخ القضائي

الفسخ القضائي هو الفسخ الذي يقرره القاضي الاداري، ويمكن ممارسته إما بطلب من الإدارة أو بطلب من المتعاقد.

 

(1)   الفسخ بطلب من المتعاقد مع الإدارة:

 

وذلك في حالة إخلال الإدارة بالتزاماتها أو ارتكابها لأخطاء جسيمة مؤثرة على سريان العقد يمكن للمتعاقد في هذه الحالة أن يطلب من القاضي الاداري فسخ العقد مع مراعاة ما قد يترتب على ذلك من المطالبة بالتعويض نتيجة الأضرار التي لحقت المقاولة جراء خطأ الإدارة، والقضاء الاداري المغربي أكد في العديد من أحكامه هذا الاتجاه حيث نجد حكم إدارية الرباط عدد 956 الصادر سنة 1996 .

2) الفسخ أمام القاضي الإداري بطلب من الإدارة

إن لجوء المتعاقد إلى القضاء للحكم له بفسخ الصفقة العمومية، يبرره حرص هذا الأخير على ضمان حقوقه تجاه الإدارة التي تعد سلطة عامة، من حيث التعويض عن الأضرار وعن الأشغال الخارجة عن إطار التعاقد واسترجاع الضمانة البنكية.أما الإدارة فإنها تظل مخيرة بين اللجوء إلى فسخ العقد الاداري بصورة منفردة بناء على خطأ المتعاقد في التنفيذ، وبين أن تتنازل عن حقها في فسخ العقد وتسلك طريق التقاضي حتى تضمن عدم المتعاقد عليها للمطالبة بالتعويض، والإدارة لا يمكنها القيام بفسخ الصفقة العمومية بعد إنجازها رجوع اوتسليمها إياها.

المبحث الثاني: الحماية القضائية للمتعاقد من قرار فسخ عقد الصفقة

إذا كانت الإدارة تستمد سلطة فسخ العقد الإداري من امتيازات السلطة العامة وسلطة الرقابة والتوجيه التي تمتلكها إزاء مرحلة تنفيذ العقد الإداري بما يخدم المصلحة العامة التي تمثلها، فيجب عليها دائما وهي تلجأ إلى عقوبة الفسخ أن تعمل على احترام الإجراءات المسطرية الواجب التقيد بها اثناء الفسخ كإخطار المعني بالأمر بالتقصير الذي يطال جانبه التعاقدي وعلى الإجراء المنوي اتخاذه في حقه وتبليغه بقرار الفسخ المتخذ في حقه مع وجوب تعليله (الطلب الأول) كما حرس المشرع المغربي على ضرورة ان يكون قرار الفسخ المتخذ متسما بالمشروعية وبالملائمة لإخلال المتعاقد بالتزاماته مع الإدارة (المطلب الثاني).

المطلب الاول: رقابة القضاء الاداري على الاجراءات المسطرية

الفرع الاولى: الاعذار

خطااذا كان من حق الإدارة وبسلطتها الانفرادية القيام بفسخ عقد الصفقة ولو لم يرتكب المتعاقد معها اي موجب لهذا الفسخ ، فان المشرع قيد هذه السلطة بإجراء شكلي يتعين عليها القيام به قبل اتخاذ قرار الفسخ تحت طائله اعتباره غیر مشروع، ويتمثل في ضرورة توجيه اعذار الى المتعاقد، من اجل حثه على القيام بالالتزامات المتفق عليها في عقد الصفقة.

المتعاقدوتتمثل الغاية منه في اشعار صاحب الصفقة وتنبيهه الى التقصير المنسوب اليه، واعطائه فرصةلتداركه 10 حتى لا يتفاجأ بفرض الجزاء عليه من قبل الإدارة، ولذلك فهو يعد ضمانة من ضمانات مع الإدارة في العقود الإدارية لكونه يحد من تجاوز الإدارة في استعمال سلطتها بهذا الخصوص كما تستجوبه قواعد العدالة والانصاف، ومن شروط صحته تضمينه لماهية المخالفات المرتكبة من قبل المقاول ودعوته الى تداركها خلال اجل محدد مع بيان الجزاء المترتب على عدم انضباطه لذلك.

وقد تناولت احكام مقتضيات المادة 79 من دفتر شروط الإدارية العامة المطبق على صفقات الاشغال التي ورد فيها "يوجه صاحب المشروع اعذارا الى المقاول يبلغ اليه بأمر بالخدمة يبين فيه بالتحديد الاخلالات المسجلة ضده والاجل الذي عليه ان يعالج فيه هذه الاخلالات.

ولا يجوز ان يقل هذا الاجل عن 15 يوما من تاريخ تبليغ الاعذار ما عدا إذا ارتأى صاحب مشروع ان هناك استعجال.

كما منح المشرع للمقاول من خلال نفس المادة لتنفيذ التدابير المبينة في الاعذار اجلا اقصاه 30 يوما بعد انتهاء التاريخ المحدد في الاعذار قبل اللجوء الى الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في نفسالمادة.والملاحظ أن المحاكم الإدارية تتشدد في اشتراط سلوك الإدارة لمسطرة الإنذار قبل الإقدام على فسخ الصفقة رعيا لحقوق الدفاع، إذ جاء في حكم للمحكمة الإدارية بوجدة " إن قيام الإدارة بفسخ عقد . المدعي دون اتباعها المسطرة المنصوص عليها بالفصل 35 من كناش الشروط الإدارية العامة المتعلقة بالصفقات العمومية ، يخول للمدعي الحق في الحصول على المصاريف التي أنفقها"11.

الفرع الثاني: مراقبة القضاء لتعليل قرار الفسخ

يبقى مبدا الشفافية من اهم المبادئ التي تحرص التشريعات المؤطرة لمجال الصفقات العمومية على تكريسه بالموازات مع باقي المبادئ لتي جاء بها مرسوم 08 مارس 2023 المتعلق بالصفقات العمومية.

وارتباطا بمبدأ الشفافية الذي يضمن حقوق المتعاقد . مع الإدارة في جميع الصفقة انطلاقا من إجراءات إبرام العقد وخلال جميع مراحل العقد، وبالتالي فهي ملزمة أيضا خلال هذه المرحلة وهي مرحلة إنهاء العلاقة التعاقدية باحترام مبدأ الشفافية والوضوح حتى تضمن المصداقية لقراراتها

.مع ويقصد بتعليل قرار الفسخ أن تبين الإدارة الأسباب التي استندت إليها في اتخاذ قرار الفسخ، وأن تضمن هذه الأسباب في قرار الفسخ حتى يتمكن المتعاقد معها من معرفة والاطلاع على الاخلالات المنسوبة إليه ولا يكفي أن يكون القرار معلال بل لابد أن يكون معلال تعليلا كافيا وذلك تطبيقا للمادة 69 من دفتر الشروط الإدارية العامة التي نصت على إلزامية تعليل قرار الفسخ ونفس المقتضى نص عليه القانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارة بتعليل قراراتها وفي هذا الصدد ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى محكمة النقض حاليا - إلى أنه ..." : بالرجوع إلى قرار الإنذار الصادر عن الإدارة صاحبة المشروع يتبين أنه معلل بالتأخير في إنجاز الأشغال التي حددت في 28 شهرا طبقا للفصل 46 من كناش المقتضيات الخاصة.

المطلب الثاني: الرقابة القضائية لمشروعية وملائمة قرار فسخ الصفقة والحق في التعويض

الفرع الأولى مشروعية قرار الفسخ

من المتعارف عليه ان الإدارة تلجأ الى فسخ العقد من تلقاء نفسها استنادا الى السلطة العامة التي تتمتع بها في مجال العقود الإدارية، وهو حق معترف به من طرف القضاء الإداري، حتى وان لم ينص عليه في العقد او في القانون او الأنظمة وذلك لصلة العقود الإدارية بالمرفق العام

غيرانه من أهم الضمانات التي أقرها القضاء للمتعاقد مع الإدارة مراقبة مدى صحة الأسبابالتي اعتمدتها هذه الأخيرة في إنهاء العلاقة التعاقدية، فالإدارة وإن كانت باعتبارها المسؤولة عن تحقيق المصلحة العامة وفق ما تقتضيه هذه المصلحة إلا أنه يجب أن تكون هذه الأسباب صحيحة، وفي هذا الإطار اعتبرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أنه : " إذا كان الفقه والقضاء قد استقر علىأنه للإدارة الحق دائما في إنهاء عقودها حتى لو لم يرتكب المتعاقد أي إخال أو خطأ من جانبه وأن للإدارة سلطتها في إنهاء العقد متى قدرت أن ذلك تقتضيه المصلحة العامة، فإن للطرف الآخر الحق في التعويضات إذا كان لها وجه، فإن ذلك رهين بوجود ظروف تستدعي هذا الإنهاء وأن يكون دافع الإدارة في الالتجاء إليه هو تحقيق المصلحة العامة المقصودة 14 . " كما قضت المحكمة الإدارية بوجدة بكون: " قاضي العقد يراقب سلامة الإجراءات الشكلية وكذا الأسباب المتخذة في اتخاذ الجزاءات وأن فسخ العقد من طرف الإدارة يعطي الحق للمقاولة للمطالبة بقيمة الأشغال المنجزة وإرجاع الضمانة ما دام لم يثبت بشكل قاطع وجود خطأ أو تقصير من طرفها "15. ونفس التوجه أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى - محكمة النقض حاليا- حين اعتبرت أنه: "... حيث يثبت من خلال وثائق الملف أن نسبة نجاح بعض الأغراس لم تحقق نسبة النجاح المتعاقد عليها مما يجعل الإدارة محقة في إعمال الجزاء الذي متعها به العقد

الفرع الثاني: ملاءمة جزاء الفسخ مع إخلالات المتعاقد

تمتد سلطه القضاء في اطار مراقبة مدى مشروعية قرار انهاء العلاقة التعاقدية بين الإدارة والمتعاقد، الى مراقبة مدى تناسب الجزاء مع الاخلالات المنسوبة للطرف المتعاقد، وقد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها عدد 243 بتاريخ 1996/09/23، اذ سنت بذلك قاعدة مفادها أن مراقبة القاضي الإداري للجزاءات المطبقة من طرف الإدارة لا يقتصر فقط على الوجود المادي لأسباب الجزاء وتكييفها القانوني، وانما تشمل هذه المراقبة أيضا مدى ملاءمة الجزاء مع خطورة الأفعال الصادرة عن المتعاقد الذي اعتبر إخلالا بالالتزامات التعاقدية، وانه يكون قرار الفسخ غير مشروع متى كانت العقوبة الموقعة على المقاول لا تتناسب مع الاخلالات المنسوبة إليه.

ولأهمية هذا الحكم القضائي نورد موجزا لما جاء في حيثياته كما يلي: "اذا كان الفقه و القضاءهذاالاداريين قد استقرا على حق الإدارة في انهاء عقودها ... فان ذلك رهين بوجود ظروف تستدعي الانهاء، وأن يكون دافع الإدارة في الالتجاء اليه هو تحقيق المصلحة العامة... وحيث ان الإدارة حينتستعمل هذه السلطة فإنها تستعملها تحت رقابه القضاء الإداري، وذلك لمراقبة الاسباب الحقيقية التي دفعتها الى انهاء العقد، وانه في حالة فسخ العقد كجزاء لخطأ المتعاقد للقضاء ان يبحث مدى ملائمة الفسخ كعقوبة للخطأ المنسوب الى المتعاقد...، وحيث ان عقوبة الفسخ التي لجأت اليها الإدارة كجزاء الصيانة وعدم احترام بنود العقد لا تتلاءم مع الاخطاء المنسوبة الى المتعاقد معها... فان المحكمة ترى ان الفسخ جاء مشوبا بالشطط في استعمال السلطة... "17.

من سوءكما أن القضاء الاداري عمل على ابتكار قواعد أخرى حاول من خلالها تقيد سلطات الإدارة في فسخ عقد صفقة الأشغال واعتبر أن الفسخ مقترن بإعادة طرح الأشغال في طلب العروض جديد على مسؤولية المقاول لا يعتبر حقا للإدارة بقوة القانون، حيث أنه لابد من التنصيص عليه صراحة في العقد، أو دفتر الشروط الإدارية الخاصة، حيث أن هذا المبدأ من ابتكار الاجتهاد القضائي الفرنسي، وذلك لحماية المقاولة من أعباء مالية غير متوقعة 18، ، و اعتبر القضاء الاداري المغربي أنه إذا تم فسخ عقد الصفقة العمومية في حين أن الأشغال المتعاقد حولها قد تم انجازها، فان قرار الفسخ لا يرتب أيأثار قانونية، وهذا المبدأ أكدته إدارية فاس في حكم لها بتاريخ 22 يوليوز 2003 والدي جاء فيه: (... طلب فسخ العقد موضوع النزاع والحال أن الأشغال كلها قد تم انجازها وإتمام بناءها وتسليمها، يبقى غير مبرر ما دام أن الصفقة أتمت محلها، ولم يعد هناك محل للفسخ ويكون الطلبموضوعه حليف الرفض...)19.

الفرع ا الثالث: : الحق في التعويض

يقابل سلطة الإدارة صاحبة المشروع في انهاء او فسخ الصفقة، احقية المتعاقد معها في المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له حالة ثبوت عدم مشروعية مقرر الإدارة الصادر بهذا الخصوص، لذلك يبقى مناط استحقاق التعويض في هذه الحالة مرتبط بثبوت الضرر الحاصل للمتعاقد بما يجعل احكام المسؤولية العقدية في مجال القانون الخاص مطبقة كذلك على المسؤولية العقدية في مجال العقود الإدارية ومنها عقود الصفقات العمومية، وتتمثل هذه الاحكام في العناصر المتصلة بالخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما غير ان التعويض وبالنظر لاتصاله بمعطيات تقنية يبقى محفوفا بصعوبات متصلة بتقديره، سيما ان تحديد مبلغ التعويض يقتضي بيان العناصر التي يتعين اعتبارها في ذلك.

الفقرة الأولى: تقدير التعويض عن الفسخ غير المشروع للصفقة

يعتبر التعويض الجزاء الأصيل للإخلال بالالتزامات التعاقدية، وهو الحق المالي لاحد الاطراف يجوز ان يطالب به الطرف الاخر إذا أخل بالتزاماته التعاقدية، وذلك من اجل تغطية الضرر الحقيقي وليس الاحتمالي الذي يلحق احد اطراف العقد نتيجة لخطأ المتعاقد الآخر.

ذلك ان فسخ العقد بشكل غير مبرر يمثل خطأ عقديا يرتب المسؤولية التعاقدية للإدارة حيث تلزم بأداء تعويض للمتعاقد جبرا للضرر الحاصل له، ولما كان تحديد مبلغ التعويض عن الاضرار الناتجة عن الفسخ غير المشروع للصفقة مرتبط بأمور تقنية تتطلب دراية فنية فان القضاء الإداري يستعين في اغلب الحالات بخبرة تقنية لتحديد قيمة التعويض المستحق.

 

الفقرة الثانية: عناصر تقدير التعويض عن الفسخ غير المشروع

إذا كان التعويض المستحق للمتعاقد مع الإدارة والمترتب على الفسخ غير مشروع للصفقة يتعين ان يكون تعويضا كاملا فان هناك وضعيات تقتضي مراعاة نسبة الخطأ الذي ساهم به صاحب الصفقة حين تقدير التعويض حيث يتعين تشطير المسؤولية بين الطرفين المتعاقدين

 

(1)   عناصر التعويض الكامل

 

يقدر التعويض عن الفسخ غير المشروع للصفقة وفقا للقواعد العامة المعمول بها في مجال المسؤولية العقدية بحيث يجب ان يشمل سائر الاضرار اللاحقة بالمتعاقد والمتمثلة فيما لاحقه من خسارة وما فاته من كسب بما يجعله تعويضا كاملا باعتبار ان المقصود بالضرر وفقا لمقتضيات الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام و هو مقتضى يمكن اعماله في مجال تقدير التعويض عن الفسخ التعسفي لعقد الصفقة.

وبخصوص التعويض عن الخسارة التي لحقت بالمتعاقد مع الإدارة فإنها تشمل جميع المصاريف التي أنفقها حين انجازه الاعمال موضوع التعاقد وكذا النفقات التي تطلبها التعاقد، لذلك فهو يستحق المصاريف الأولية التي يتطلبها الاعداد للشروع في التنفيذ، وقيمة الاعمال المنجزة الشاملة لقيمة المنشاة او العمل او الخدمة المؤداة واجور والعمال وقيمة المواد المقتناة من اجل تنفيذ العقد وسائر النفقات الفعلية.

اما الكسب الفائت فيتم تقديره من خلال احتساب النفقات المتطلبة لإنجاز الاشغال محل التعاقد وخصمها من ثمن الصفقة لذلك فان العناصر المعتمدة لتقدير التعويض عن الفسخ غير المشروع للصفقة تتمثل في قيمه الخسائر اللاحقة بالمتعاقد وقيمة الكسب الفائت. وهي عناصر اكدت عليها محكمة النقض من خلال القرارين التاليين:

قرار عدد 631 الصادر بتاريخ 2011/8/25 في الملف عدد 1453 /4 /1/ 202010

قرار عدد 402 /1 صادر بتاريخ 2014/04/03 في الملف عدد 2610 /4/ 1/ 212012

 

(2)   تشطير المسؤولية

 

إذا كان التعويض المستحق للمتعاقد مع الإدارة يتعين ان يكون جابرا للضرر الحقيقي الحاصل له فان هناك ، وضعيات اقتضت فسخ الصفقة لأسباب تداخلت فيها اخطاء الإدارة واخلالات منسوبة للمتعاقد معها وهي وضعيات تقتضي مراعاة نسبة مساهمة هذا الأخير من اخطاء حين تقدير التعويض من خلال تشطير المسؤولية بين الطرفين المتعاقدين وهو ما اعمله القضاء الاداري في نازلة تتعلق بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن صعوبات في تنفيذ اشغال صفقة حسب المستشرف من قرار محكمه النقض الاتي:

قرار رقم 1086 /2 صادر بتاريخ 2018/12/27 في الملف عدد 4365/ 4/ 2/ 222016

ليست هناك تعليقات:
كتابة التعلقيات