مقدمة
يلعب القضاء
دوراً محورياً في حماية حقوق المتعاقدين أثناء تنفيذ الصفقات.
من خلال توفير
الحماية القانونية للأطراف وضمان تنفيذ بنود العقود بالشكل الذي يعكس نوايا المتعاقدين
ويحقق توازن المصالح بينهما.
ويستند القضاء
في هذه الحماية إلى آليات متعددة لحل النزاعات التعاقدية، مثل التحكيم والتقاضي، معتمداً
على أسس قانونية تضمن الإنصاف للمتعاقدين، كتفسير البنود بما يعكس النية المشتركة للأطراف
وتطبيق التعويضات المناسبة عن أي ضرر.
يبرز هذا النوع من الحقوق أكثر في نطاق الصفقات العمومية، حيث خول المشرع للمتعاقد حق المطالبة بالفسخ، لكن وفق حالات محددة. فقد ينجم هذا الحق عن خطأ وإخلال الإدارة بالتزاماتها، وهو ما يجعل هذا الفسخ بمثابة جزاء عن هذا الإخلال، وقد يكون هذا الفسخ غير مؤسس على خطئها، بل يكون الهدف منه هو موازنة حق المتعاقد بالفسخ مع حق الإدارة في ممارسة شق من سلطاتها.
فبمناسبة كل
نزاع يعرض على أنظار القاضي يتعين عليه أن يتساءل عن وجود أو عدم وجود القاعدة القانونية
حسب تدرجها، وما إذا كانت هذه القاعدة ما زالت سارية المفعول أو عدلت أو حلت محلها
قاعدة جديدة؟ وهل هذا التعديل تم بنفس الوسيلة المتبعة في صدوره أو بوسيلة أخرى؟
ولهذا فإن المراقبة
القضائية الموجهة لحماية حقوق وحريات الأفراد تنصب لتفحص ما إذا كانت النصوص تسمح لصاحب
القرار أن يتخذ تدبيرا يقيد حرية من الحريات أو يغصب حقا من الحقوق.
وبعد صدور أي
قرار إداري في تعديل البنود او ايقاف الاشغال، فإن المشرع حدد آجال رفع دعوى الالغاء
بسبب تجاوز السلطة في ستين يوما، ولا تقبل أي دعوى ترفع بعد فوات هذا الأجل إلا في
الحالات التي ينقطع فيها هذا الأخير وفق ما تقرره المادة 23 من القانون رقم 41-90 المحدث
للمحاكم الإدارية.
في حين لم يحدد
المشرع أجلا معينا لرفع دعوى التعويض وأخضعها للأحكام المتعلقة بالتقادم. حيث تطرق
المشرع المغربي بشكل تفصيلي للاختصاص المسند للمحاكم الابتدائية الإدارية ، من خلال
المادة الثامنة من القانون رقم 41.90 كما تم تتميمها بموجب القانون رقم 68.00 الصادر
في 24 نونبر 2000 والقانون رقم 38.15 الصادر في 30 يونيو 2022.
وبالرجوع لهذه
المادة نجدها أصبحت تنص على ما يلي: "تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام
المادتين 9 و11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية
بسب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار
التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق
العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام أو أثناء تنفيذ الصفقات
بصفة خصوصية.
إن هذه الامتيازات
التي لدى السلطة العامة والادارة والامتيازات تطرح لنا تساؤل إشكالية ما آليات الرقابة
القضائية على الامتيازات الاستثنائية للإدارة؟ وما آليات المراقبة القضاء الإداري للتوازن
المالي؟
محاولة الإجابة
على هذه الاشكالية ستكون وفق التصميم التالي:
المبحث الاول:
الرقابة القضائية على الامتيازات الاستثنائية للإدارة.
المبحث الثاني:
مراقبة القضاء الإداري للتوازن في الصفقة والاشغال غير المشروعة.
الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة أثناء
تنفيذ الصفقة
المبحث الاول:
الرقابة القضائية على الامتيازات الاستثنائية للإدارة
المطلب الأول: التعديل الانفرادي
للعقد وفسخه من لدن الإدارة
الفقرة الأولى:
الحماية القضائية لصاحب الصفقة تجاه التعديل الانفرادي للعقد
الفقرة الثانية:
تجليات الحماية القضائية للمتعاقد جراء الانهاء الانفرادي لعقد الصفقة
المطلب الثاني: حماية القضائية
للمتعاقد جراء توقيع الجزاءات وتدخل القضاء الاستعجالي
الفقرة الاولى:
ضبط القضاء الإداري لسلطات الإدارة في توقيع الجزاءات على المتعاقد
الفقرة الثانية:
تدخل القضاء الاستعجالي في إطار السلطات الاستثنائية للإدارة
المبحث الثاني :
مراقبة التوازن المالي للصفقة والاشغال غير المتفق عليها وأثناء تسليم الاشغال
المطلب الأول : تكريس القضاء
الإداري الحماية على الحقوق المالية للمتعاقد
الفقرة الأولى :الحق
في الحصول على الحقوق المالية
الفقرة الثانية :
دور القضاء الإداري في ضمان حق المتعاقد في التوازن المالي للعقد
المطلب الثاني :الحماية القضائية
للمتعاقدين في حالتين للصفقات والعقود الملحقة
بها غير مشروعة ورفض الإدارة تسليم الاشغال والعيوب التي تكون بعد تسليم الاشغال
الفقرة الاولى:
الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة بصفة منفردة المنفصلة عن العقد أو في حالة القيام
بأشغال خارج الشروط التعاقدية
الفقرة الثانية
: الحماية القضائية لصاحب الصفقة في حالة رفض الإدارة تسليم الاشغال وادء المقابل المالي
والعيوب التي تظهر بعد التسليم
المبحث الاول:
الرقابة القضائية على الامتيازات الاستثنائية للإدارة.
يمكن اعتبار الرقابة القضائية على الامتيازات
الاستثنائية للإدارة وسيلة لتحقيق التوازن بين سلطة الإدارة في اتخاذ قرارات استثنائية
تهدف إلى المصلحة العامة، وحق الأفراد في حماية حقوقهم من تجاوزات الإدارة.
من خلال هذه
الرقابة، يقوم القضاء بمراجعة القرارات الإدارية للتأكد من عدم تعسف الإدارة في استخدام
سلطاتها.
وتتعدد أشكال
الرقابة القضائية لتشمل رقابة المشروعية للتأكد من توافق القرارات مع القانون، ورقابة
الملاءمة لتقييم مدى تناسب القرارات مع الظروف الواقعية، ورقابة التناسب للتحقق من
أن الإجراءات المتخذة ليست مفرطة مقارنةً بالأهداف المرجوة.
تعتمد هذه الرقابة
على معايير مثل مبدأ الضرورة لضمان أن التدابير المتخذة ضرورية لتحقيق الأهداف، ومبدأ
التناسب للتأكد من أن الإجراءات مناسبة للهدف ولا تتجاوز الحاجة، مع احترام حقوق الأفراد
وحمايتهم من أي إساءة لاستخدام السلطة الإدارية سواء بالتعديل الانفرادي للعقد وتدخل
القضاء الاستعجالي لضبط السلطة.
المطلب الأول:
التعديل الانفرادي للعقد وفسخه من لدن الإدارة.
تمتلك الإدارة
في عقود الصفقات العمومية حق تعديل بعض بنودها، بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى موافقة
صاحب الصفقة، وخاصة فيما يتعلق بالزيادة في حجم الأشغال أو التقليص من حجمها أو التغيير
في مختلف أنواع المنشآت.
حيث أن اتصال
العقود الإدارية بنشاط المرافق العامة يقتضي إخضاع المصلحة الخاصة للمتعاقد مع الإدارة
لمقتضيات المصلحة العامة التي تمثلها الإدارة والتي تعهد المتعاقد بالعمل على تحقيقها.
وترتبط غالبية المنازعات المقدمة أمام القضاء
الإداري في إطار قضائها الشامل بفسخ العقد الإداري.
إذ غالبا ما
تلجأ الإدارة إلى فسخ العقد الإداري كجزاء على إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية
أو ارتكاب مخالفات واضحة وخطيرة من شأنها أن تؤثر سلبا على سير المرفق العام.
وتستمد الإدارة
هاته السلطة ليس من نصوص العقد الإداري فحسب، بل كذلك من امتيازات السلطة العامة التي
تتمتع بها والمصلحة العامة التي تمثلها.
الفقرة الأولى:
الحماية القضائية لصاحب الصفقة تجاه التعديل الانفرادي للعقد.
تعد سلطة التعديل
من أبرز الخصائص التي تميز العقود الإدارية عن العقود المدنية.
إن المتعاقد
صاحب الصفقة لا يكون على قدم المساواة مع الإدارة، إلا أنه أحيانا يساء استخدام تلك
السلطات مما قد ينتج عنها نزاعات.
وفي هذا الإطار
وضع القضاء الإداري حدودا لحق الإدارة في استعمال سلطتها الأصلية في تعديل بنود عقد
الصفقة، وقيده بشروط وضوابط منها على وجه الخصوص:
إن سلطة تعديل عقد الصفقة ليست مطلقة بل ترد عليها
قيود تجعل التعديل يقتصر على البنود المتصلة مباشرة بسير المرفق وحاجته ومقتضياته دون
المساس بالبنود الحالية للعقد؛
اشتراط حدوث
أو استحداث ظروف بعد إبرام العقد تبرر التعديل في إطار ما تقتضيه المصلحة العامة لضمان
استمرار سير المرفق العام، وتخضع هذه المنازعات الرقابة القاضي الإداري الذي يراقب ويفصل في المنازعات الناشئة عن التنفيذ على اعتبار أن معظم
منازعات العقود الإدارية تندرج ضمن اختصاص القضاء الشامل للمحاكم الإدارية.
وتأسيسا على
ما سبق يتبين أن سلطة التعديل التي تمتلكها الإدارة تجاه المتعاقد معها تخضع الى رقابة
القضاء الإداري فالإدارة ملزمة حين تستخدم حقها في التعديل ألا تتعداه إلى درجة تؤدي
إلى قلب اقتصاديات العقد أو تغيير موضوعه، وألا تتجاوز الحدود المعقولة والمناسبة لإمكانيات
المتعاقد الفنية والمالية، وإلا كانت ملزمة بتعويض الضرر الناجم عن استخدامها لتلك
السلطة حتى لا يتحمله المتعاقد، وتعيد بذلك التوازن المالي للعقد إلى الحالة التي كان
عليها عند إجراء إبرامه.
وتبعا لذلك ولئن
كانت سلطة الإدارة، في تعديل مما لا ينبغي لها تجاوز الإمكانات الفنية والمالية للمتعاقد،
فقد كان من اللازم ضمانا لاستقرار المعاملات التعاقدية وتنبيها للمتعاقد بكافة الاحتمالات
التعديلية التي قد تطال العقد، أن تخضع هذه السلطة للتحديد من حيث نسبة الزيادة أو
النقصان التي قد تطال الصفقة، والتي تعتبر ضمانة هامة لحماية المتعاقد من استخدام الإدارة
لهذه السلطة على نحو غير مشروع.
الفقرة الثانية:
تجليات الحماية القضائية للمتعاقد جراء الإنهاء الانفرادي لعقد الصفقة.
تتجلى هذه الحماية
القضائية للمتعاقد جراء الإنهاء الانفرادي لعقد الصفقة في فحص القضاء الإداري لمشروعية
أسباب الفسخ (أولا)، وحق المتعاقد في التعويض جراء الفسخ(ثانيا).
أولا: فحص القضاء
الإداري لمشروعية أسباب الفسخ.
إذا كانت الإدارة تملك السلطة التقديرية في فسخ
عقد الصفقة بالاستناد إلى المصلحة العامة أو بناء على إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية
أو ارتكابه خطأ فادحا يؤثر على مواصلة العلاقة التعاقدية، فان القاضي الإداري يراقب
صحة السبب المعتمد في قرار الفسخ.
وإذا ثبت له
أن القرار الصادر بفسخ العقد لا يقوم على سبب مشروع فإنه يملك إلغاء القرار بصفة عامة
ويصبح القرار الصادر بالفسخ غير مشروع إذا قام على سبب غير سليم أو إذا استهدفت الإدارة
مصلحة في الفسخ غير المصلحة العامة.
ويعتبر الفسخ
من جانب واحد أخطر الجزاءات التي يمكن أن توقعها الإدارة في حق المتعاقد معها، لذلك
استلزم القضاء الإداري شروطا جوهرية عند إيقاعه، ومنها على وجه الخصوص إلزامية توجيه
إنذار قبل توقيع جزاء الفسخ.
ثانيا: حق المتعاقد
في الحصول على تعويض جراء الفسخ.
لقد دأب القضاء الإداري في جميع أحكامه السابقة
الذكر على ترتيب حق التعويض الكامل للمتعاقد مع الإدارة عن الفسخ التعسفي كلما كان
مشوبا بالشطط في استعمال السلطة أو مخالفا للقانون أو كان مبنيا على سبب غير صحيح أو
على إخلال للإدارة بالتزاماتها التعاقدية متى كان تنفيذ الالتزام من جانب المتعاقد
معها يتوقف على ذلك.
وإذا كان القضاء
الإداري قد استقر على الحكم بأحقية المقاولة في التعويض، كلما ثبت له أن قرار الفسخ
غير مشروع وفق ما هو مؤكد في القرارات المشار إليها أعلاه، فإنه يشترط للحكم بهذا التعويض
إثبات الضرر بعد تأكيد عدم مشروعية الفسخ.
المطلب الثاني:
حماية القضائية للمتعاقد جراء توقيع الجزاءات وتدخل القضاء الاستعجالي
الحماية القضائية
للمتعاقد جراء توقيع الجزاءات وتدخل القضاء الاستعجالي تهدف إلى حماية حقوق المتعاقدين
مع الإدارة.
يحق للمتعاقد
الطعن في الجزاءات المقررة من قبل الإدارة أمام القضاء الإداري للتأكد من مشروعية هذه
الجزاءات.
كما يمكنه اللجوء
إلى القضاء الاستعجالي للحصول على حكم سريع لوقف تنفيذ الجزاءات أو اتخاذ تدابير مؤقتة
لحماية حقوقه حتى يتم البت في القضية بشكل كامل.
هذه الآليات
تضمن حماية المتعاقد من التعسف أو الضرر الناتج عن الإجراءات و القرارات الإدارية.
الفقرة الاولى:
ضبط القضاء الإداري لسلطات الإدارة في توقيع الجزاءات على المتعاقد.
استجابة للمصلحة العامة ولمبدأ استمرارية المرفق
العام، أضحت الإدارة تملك سلطة توقيع الجزاءات على صاحب الصفقة، وبشكل انفرادي دون
حاجة الالتجاء إلى القضاء المختص، وهو حق أصيل تتمتع به الإدارة متى أخل المتعاقد بالتزاماته
أو قصر في تنفيذها أو لم يحترم الآجال المحددة للتنفيذ أو غير ذلك من المخالفات التي
تمثل خطأ تعاقديا.
لكن في بعض الحالات،
يحدث أن تمارس الإدارة هذه السلطة بشكل تعسفي. الأمر الذي يستدعي تدخل القضاء للبت
في الدعاوى المرفوعة إليه في هذا الشأن، لحماية صاحب الصفقة من حمله على ما ليس ملزما
به.
أولا: الجزاءات المالية.
الجزاءات ذات
الطبيعة المالية عبارة عن مبالغ مالية محددة مسبقا في مقتضيات الصفقة كجزاء يوقعه صاحب
المشروع على المقاول أو المورد أو الخدماتي عند إخلاله بالتزاماته، دونما اللجوء إلى
القضاء.
وتتمثل هذه الجزاءات
في كل من الغرامات التأخيرية ومصادرة الضمان وكذا التعويض.
1. الغرامات التأخيرية:
تعرف غرامة التأخير
كونها مبلغ من المال يحدد قيمته في عقد الصفقة العمومية بنسبة معينة عن كل يوم تأخير
في تنفيذ المتعاقد لالتزاماته، وتتميز غرامة التأخير بكونها اتفاقية حيث يتم التنصيص
عليها بموجب عقد الصفقة، كما أنها تلقائية بحيث توقع بمجرد حدوث التأخير، وتوقع دون
الحاجة إلى توجيه إنذار أو تحذير للمتعاقد. ناهيك، عن أنها توقع دون حاجة إثبات ضرر
الإدارة بفعل التأخير.
أولا: الجزاءات
المالية:
تجدر الإشارة
أن المادة 65 من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال تنص على أنه
في حالة معاينة التأخير في تنفيذ الأشغال، يتم تطبيق غرامة عن كل يوم تأخير على المقاول،
إذا كان التأخير يتعلق بالأجل الإجمالي لتنفيذ الصفقة ما عدا إذا نص دفتر الشروط الخاصة
على خالف ذلك ، يحدد مبلغ هذه الغرامة في واحد على الألف (1/1000) من مبلغ الصفقة،
ويقصد بمبلغ الصفقة مبلغ الصفقة الأولية يضاف إليه عند الاقتضاء المبالغ المتعلقة بالأشغال
الإضافية والزيادة في حجم الأشغال، وفي حالة التأخر في تنفيذ أشغال قسط أو جزء من المنشأة
والذي حدد له تاريخ أقصى للتنفيذ الجزئي، يحدد دفتر الشروط الخاصة الغرامات اليومية
بالنسبة لكل قسط أو جزء من المنشأة إذا شمل التأخر أجل التنفيذ الجزئي.
2. مصادرة الضمانات المالية.
أقر مرسوم الصفقات العمومية مجموعة من الضمانات
المالية التي تهدف إلى ضبط عمليات إبرام وتنفيذ وإنهاء الصفقات على نحو يسمح بترشيد
الإنفاق العمومي. وهي ضمانات يتم تكوينها خلال مرحلة التعاقد إما من قبل المتنافس أو
نائل الصفقة.
وعند إبرام الصفقة
يتعين على صاحب الصفقة، إيداع التأمين النهائي، ضمانا للإبقاء على العرض طوال المدة
المقررة لسريانه، وهو ضمان لتنفيذ التزامات المتعاقد، ويتعين على الإدارة إرجاعه بعد
التسليم النهائي للأشغال، ويمكن لهذه الأخيرة مصادرته عند التقصير في التنفيذ.
الجدير بالذكر،
أن سلطة مصادرة الضمان المالي ليست مطلقة.
عندما تعرض النازلة
على القضاء الإداري، يتأكد من مدى صحة ادعاءات الإدارة التي استندت عليها في مصادرتها
لهذه الضمانات، حتى إذا كشفت سوء إعمال الإدارة لهذه السلطة أو احتفظت بالضمانات بشكل
غير مشروع وعن عمد، فهي تقضي بما يعيد التوازن المالي للعقد وتعطي الحق للمتعاقد في
استرجاعها
ثانيا: الجزاءات
غير المالية.
يختلف الاصطلاح المعتمد لتعريف هذا النوع من الجزاءات
تبعا للأثر المتوخى منها، فنجد من بين الاصطلاحات عبارة " الجزاءات الضاغطة"
و " الجزاءات الفاسخة" و " الجزاءات القسرية".
والمهم هو أن
كل هذه العبارات تحملنا على فهم الهدف من تطبيق هذا النوع من الجزاءات وهو إما ممارسة
نوع من الضغط على المتعاقد قسره وإجباره على التراجع عما ارتكبه من أخطاء ودفعه لإصلاحها
إذا أمكن، وإما يصل الجزاء لحد فسخ العقد ككل.
وهو أخطر القرارات التي تتخذها الإدارة المتعاقدة
في مواجهة المتعاقد معها, لكونه يكون مقرونا بمجموعة من الجزاءات التبعية الأخرى.
ويعد التنفيذ
على حساب الصفقة من أهم وسائل الضغط التي تملكها الإدارة صاحبة المشروع في مواجهة المتعاقد
معها، حيث تحل الإدارة بنفسها محل المتعاقد في تنفيذ التزاماته، أو تجعل غيرها محله
للقيام بتلك المهمة بصفة مؤقتة لحساب وعلى مسؤولية المتعاقد صاحب الصفقة، قصد الضغط
عليه وحمله على تنفيذ التزاماته مع بقاء عقد الصفقة قائما.
ثانيا: الجزاءات
غير المالية.
يعتبر هذا الصنف
من أخطر الجزاءات الضاغطة التي تقع على المقاول أو المتعاقد مع الإدارة إذ تقوم هذه
الأخيرة بتنفيذ الصفقة فتتولى تسيير ومراقبة تنفيذ الأشغال وتأدية أجور العمال، ليبقى
المقاول بعيدا يتحمل فقط مسؤولية النتائج، حتى أنه لا يملك الحق في معارضة تعيين الإدارة
النائبة على صاحب المشروع.
إلا أنه نظرا لخطورة هذه الإجراءات الضاغطة على
حقوق صاحب الصفقة وعلى أعمال هذه الأخيرة، فقد احاطتها المادة 79 من دفتر الشروط الإدارية
العامة المطبقة على صفقات الأشغال بمجموعة من الإجراءات التي تقلص من حدتها.
فهي تنص على
ضرورة توجيه إعذار بواسطة أمر بالخدمة إلى المقاول يهم إخباره باختلالاته التعاقدية
التي تعتبر أساس القيام بالتنفيذ المباشر ضده مع إعطائه مدة لا تقل عن 15 يوما لتجاوزها.
وفي حالة عدم إصلاح المقاول لتلك النقائص والاختلالات
المحددة في الإعذار، فهنا يحق للإدارة صاحبة
المشروع التنفيذ على حساب المقاول.
إن هذا التنفيذ على حساب المقاول يمكنه هو الآخر
الخضوع لرقابة القضاء، فيقيم مدى مشروعيته ومن ثم يعفي المقاول من جميع الأعباء الناتجة
عنه ويحكم له بتعويض في حالة عدم مشروعية الجزاء.
الفقرة الثانية:
تدخل القضاء الاستعجالي في إطار السلطات الاستثنائية للإدارة.
يعتبر القضاء الاستعجالي الحل القضائي الأمثل
والسريع لحفظ الحقوق التي تكتسي صبغة استعجالية والتي يخشى عليها من سلوك المسطرة العادية
للتقاضي من الاندثار والزوال، كون مسطرته سريعة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية إلى
حين الفصل النهائي في أصل الحق.
أولا: دور القضاء
الاستعجالي.
استنادا لما جاء في أمر استعجالي صادر عن رئيس
المحكمة الإدارية بالرباط الذي ينص على أنه " إذا كان اختصاص القضاء الاستعجالي
في مادة العقود الإدارية غير محدد بنصوص خاصة فهو يبقى خاضعا للقواعد العامة للاستعجال
التي يملك في إطارها قاضي المستعجلات حق اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على الحقوق
متى كانت المراكز القانونية والواقعية للأطراف واضحة ومتى توفرت في حالة الاستعجال
وعدم المساس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر", وقد نظم قانون المسطرة المدنية المطبق
كأصل عام على جميع القضايا بما فيها الإدارية القضاء الاستعجالي بموجب القسم الرابع
المعنون ب المساطر الخاصة بالاستعجال مسطرة الأمر بالأداء, وبموجب الباب الثاني المعنون
بالمستعجلات.
إضافة إلى المادة
19 من قانون 41 90. التي تشير هي الأخرى إلى اختصاص قاضي المستعجلات، فهي تنص على أنه
" يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية
بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية"
واستنادا على ما تم تداوله، يملك القاضي الاستعجالي
الذي يفصل في الدعوى سلطة تقدير مدى وجود حالة الاستعجال من ظاهر وثائق الملف ومن طبيعة
الحق ذاته والظروف المحيطة بالدعوى، وذلك انسجاما مع المقتضيات القانونية المؤطرة للقضاء
الاستعجالي، اختصاص القضاء الاستعجالي في الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء
مستعجل في أي مادة لم يرد بها نص خاص ولم يضر بحقوق الأطراف. وبالتالي فإن دور قاضي
المستعجلات في نزاعات الصفقات العمومية باعتبارها عقدا من العقود الإدارية، تنحصر أساسا
في البث في الطلبات الوقتية والتحفظية التي يقدرها بما يملك من سلطة تقديرية بناء على
ظروف كل نازلة، دون البث في موضوع النزاع لأن من شأن ذلك المساس بجوهر الحق.
ثانيا: تطبيقات
قضاء المستعجلات في إطار قرار الإنهاء الانفرادي للصفقة والضمانات المالية.
1. تدخل القضاء الاستعجالي في
قرار الإنهاء الانفرادي للصفقة.
إن اختصاص قضاء المستعجلات في هذا الصدد، رهين
باتخاذ الإجراءات الكفيلة للمحافظة على الحقوق موضوع العقود الإدارية في مجال الصفقات
العمومية، ورهين أيضا المراكز القانونية والواقعية للأطراف حيال هذا السند المعتبر
شريعتهما بعد أن ارتضياه، فضلا عن توافر حالة الاستعجال وعد المساس بما يمكن أن يقضي
به في الجوهر.
2. تدخل القضاء الاستعجالي في
النزاعات المتعلقة بمبلغ الضمانة.
قد يتم عرض بعض
الطلبات المتعلقة بالضمانات المقدمة في إطار الصفقات العمومية على أنظار القضاء الاستعجالي،
وذلك في إطار المطالبة برفع يد الإدارة عن مبلغ الضمانة أو طلب إيقاف استخلاصها لفائدتها.
وانطلاقا من
استقراء العمل القضائي للمحاكم الإدارية بهذا الخصوص، يتضح أن هناك نوعا من التباين
في التفسير وغياب الانسجام بين تعليلات الأوامر القضائية، فهناك أوامر تستجيب لهذه
الطلبات
المبحث الثاني :
مراقبة القضاء الإداري التوازن المالي للصفقة والاشغال غير المتفق عليها وأثناء تسليم
الاشغال.
مراقبة القضاء
الإداري للتوازن المالي للصفقة والأشغال غير المتفق عليها وأثناء تسليم الأشغال تتضمن
عدة جوانب هامة.
أولاً، يراقب
القضاء التوازن المالي للصفقة لضمان أن الشروط المالية بين الإدارة والمتعاقد متوازنة
وغير تعسفية، مما يحفظ حقوق الأطراف. ثانيًا، يتدخل القضاء في حالة الأشغال غير المتفق
عليها، حيث يتأكد من مشروعية التعديلات أو الأعمال الإضافية التي قد تُنفذ خارج نطاق
العقد المبرم، ويعزز ضرورة التعديل وفقًا للمصلحة العامة.
أخيرًا، يراقب
القضاء عملية تسليم الأشغال لضمان التزام المتعاقد بالمواصفات والشروط المتفق عليها.
وبذلك، يكون
القضاء هو الضامن لحقوق المتعاقدين، حيث يضمن تنفيذ العقود وفقًا للقانون وحماية مصالح
الأطراف من أي تجاوزات أو تعسف قد يحدث من الإدارة.
المطلب الأول :
تكريس القضاء الإداري الحماية على الحقوق المالية للمتعاقد.
لجأ القضاء الإداري
إلى إعمال نظرية التوازن المالي للصفقة العمومية والعقود الإدارية عموما، بقصد تحقيق
توازن بين الأعباء التي يتحملها المتعاقد صاحب الصفقة مع الإدارة، وبين المزايا التي
يتوفر عليها.
ومن هذا المنطلق
سنتحدث في الفقرة الأولى عن حق المتعاقد في الحصول على الحقوق المالية، وسنتطرق في
الفقرة الثانية لدور القضاء الإداري في ضمان التوازن المالي للعقد.
الفقرة الأولى :الحق
في الحصول على الحقوق المالية.
يعتبر هذا الحق
من اهم الحقوق التي يتمتع بها للمتعاقد باعتباره مستثمرا يتوخى الربح، وتتمثل في المبالغ
المالية التي يتقاضاها كليا أو جزئيا من صاحب المشروع مقابل التسليم النهائي للمشروع
أو عبر أقساط حسب تقدم الاشغال أو تسليم التوريدات أو إنجاز الخدمات.
والقاعدة العامة
أن الإدارة لا تقوم بالدفع مسبقا وإنما بعد تنفيذ العقد باستثناء بعض العقود الإدارية
التي تتطلب مبالغ مالية كبيرة ويستغرق تنفيذها مدة طويلة.
اولا: التعويض
على أساس خطأ الإدارة.
يتأسس القضاء
بالتعويض في هذه الحالات على خطأ الإدارة بما يرتبه من ضرر بالنسبة للمتعاقد, وفي الحالات
التي لا يحدد القانون أو العقد الأسس التي يقوم عليها التعويض ولا يبين أي منهما مقداره
ف ان القاضي الإداري يتولى بنفسه هذه المسألة, وهو يخضع لمبدأ التعويض الكامل الذي
يقدر على أساس ما لحق المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب.
ان اخلال الإدارة
بسبب خطأ ثابت في حقها والمتمثل في تأخر أو عدم التزاماتها التعاقدية يرتب مسؤوليتها
التعاقدية .
ويهدف هذا التعويض
الى جبر الضرر اللاحق بالمتعاقد ويستدعي اثبات هذا الأخير أن الضرر ناتج عن خطا الإدارة.
الفقرة الثانية :
دور القضاء الإداري في ضمان حق المتعاقد في التوازن المالي للعقد
استقر الفقه
والقضاء على انه اذا طرأت بعد ابرام العقد واثناء تنفيذه ظروف من شأنها زيادة أعباء
المتعاقد أو تعديل اقتصاديات العقد بصورة كبيرة فمن واجب الإدارة أن تعوض المتعاقد
معها والمساهمة في تحمل الخسائر التي لحقت به حتى يعود التوازن المالي للعقد مرة أخرى.
ولهذا دأب الاجتهاد
القضائي على اعتماد عدة نظريات تتعلق بالصعوبات المادية غير المتوقعة التي يجد المتعاقد
نفسه فيها أمام صعوبات مادية استثنائية يترتب عنها زيادة في أعبائه المالية يجعل العقد
على حاله أكثر كلفة.
وقد توجد مبررات
أخرى خارجة عن الصفقة توجب التعويض على أساسها، من بين الحالات التي يكون فيها التعويض
شاملا نجد نظرية فعل الأمير، وجزئيا كما في الحالات المرتبطة الظروف الطارئة، أو ظهور
صعوبات مادية غير متوقعة.
أولا: نظرية
فعل الأمير:
اعتبرت المحكمة
الإدارية بالدار البيضاء "عمل الأمير" هو كل عمل يصدر من سلطة عامة دون خطأ
من جانبها ينجم عنه سوء مركز المتعاقد في عقد اداري ويؤدي الى التزام جهة الإدارة المتعاقدة
بتعويض المتعاقد المضرور عن كافة الاضرار التي تلحقه من جراء ذلك بما يعيد التوازن
المالي للعقد".
ويشترط لتطبيق
هذه النظرية توفر الشروط التالية:
أن يكون ثمة
عقد إداري؛
ان ينشأ عنه
ضرر لا يشترط فيه درجة معينة من الجسامة؛
أن يكون الفعل
الضار صادرا من جهة الإدارة المتعاقدة؛
افتراض أن الإدارة
لم تخطئ حين اتخذت عملها الضار فمسؤوليتها عقدية بدون خطأ؛
أن يكون الاجراء
الصادر عن الإدارة غير متوقع يؤدي لتعديل العقد لا الغائه؛
أن يلحق المتعاقد
ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.
إذا تحققت شروط
نظرية فعل الأمير فان المتعاقد مع الإدارة يستحق تعويضا كاملا وهو يشمل ما فات المتعاقد
من كسب وما لحقه من خسارة, فالتعويض يشمل كافة النفقات والمصاريف الإضافية التي تكبدها
المتعاقد معها وكذلك يشمل ما كام يتوقع أن يجنيه المتعاقد.
ثانيا: نظرية
الظروف الطارئة:
ابتدع القضاء
الإداري نظرية الظروف الطارئة بعدما أصبح المتعاقد يتعرض لمخاطر اقتصادية كبيرة بسبب
ظروف خارجة عن إرادة طرفي الصفقة، لتفادي الإخلال بالتوازن المالي لعقد الصفقة.
وضع القضاء المغربي
شروطا جوهرية لقيام نظرية "عدم التوقع". ومثالا على ذلك نذكر حكم المحكمة
الإدارية بالرباط بتاريخ 3‑6‑2009 تحت عدد 1309 وهذه الشروط تتمثل اختصارا فيما يلي :
وقوع حدث لاحق
على تاريخ التعاقد؛
أن تكون اثار
ذلك الحدث غير متوقعة بشكل معقول من قبل الطرفين قبل التعاقد؛
أن يكون الحدث
خارج عن إرادة الطرفين ومستقلا عنها؛
أن يترتب عن
الحدث حصول انقلاب في التوازن المالي للعقد .
ثالثا: نظرية
الصعوبات المادية غير المتوقعة
يوفر القاضي
الإداري حماية قضائية للمتعاقد عندما تواجهه خلال مرحلة التنفيذ صعوبات مادية استثنائية
غير متوقعة من أحد طرفي العقد وقت إبرامه، تكون سببا في نفقات إضافية مرهقة لصاحب الصفقة
وفي هذه الحالة يصبح للمتعاقد مع الإدارة الحق في الحصول على تعويض يغطي الأضرار الناجمة
عما بذله من جهد مالي إضافي لمواجهة تلك الصعوبات قصد إتمام تنفيذ الصفقة.
اعتبر الاجتهاد
القضائي أساس هذه النظرية هي اعتبارات العدالة، ولتطبيقها يلزم توفر أربعة شروط :
أن تكون الصعوبات
ذات طبيعة مادية وهي ترجح في الغالب الأعم من الحالات إلى الظواهر الطبيعية.
أن تكون الصعوبات
المادية غير عادية أو غير مألوفة.
ألا تكون الصعوبات
من فعل أحد المتعاقدين سواء عن عمد أو اهمال.
أن تؤدي الصعوبات
المادية إلى جعل تنفيذ العقد مرهقا من الناحية المالية وليس مستحيلا، ولا يترتب عنها
انقضاء العقد في نطاق عقد الاشغال العامة يمكن
أن تتمثل هذه الصعوبات المادية غير المتوقعة في عدم صلاحية الأرض محل الأشغال العامة
أي أنها تحتاج الى تجهيزات أكثر كلفة مما قدره المتعاقدان وقت ابرام العقد, وهذا لا
ينفي أن تنشأ هذه الصعوبات بفعل انسان أجنبي عن العقد.
المطلب الثاني
:الحماية القضائية للمتعاقدين في حالتين للصفقات
والعقود الملحقة بها غير مشروعة ورفض الإدارة تسليم الاشغال والعيوب التي تكون بعد
تسليم الاشغال.
إن العقد الإداري
بمجرد ما يتم إبرامه يضفي عليه الطابع النهائي، وبالتالي لا يبقى هناك أي مجال للتحدث
عن القرارات القابلة للانفصال عنه أو تلك القابلة لإيقافها ولاسيما المتعلقة بتنفيذ
بنود العقد.
ومبرر هذا الموقف
بأن مثل هذه القرارات لا تلزم سوى طرفي العقد وبالتالي ليس للمتعاقد مع الإدارة العمومية
سوى أن يرفع دعواه أمام القضاء الشامل، أما بالنسبة للغير فليس له الحق في رفع أي طعن
سوى إمكانية دعواه مع أحد طرفي العقد.
ولئن كان مبدأ
ثبات العقد، مما لا يتلاءم و تحقيق المصلحة العامة التي تستهدفها الإدارة من صفقتها
العمومية ، الخاضعة لمنطق التحولات والتغيرات التي تطال المرفق العام باستمرار، لقد
جاز للإدارة بصفة استثنائية أن تعتمد بإرادتها المنفردة إلى تعديل بعض نصوص صفقاتها،
ويتلاءم ويتوافق مع المصلحة المستجدة للمرفق.
حيث تعتبر الصفقات
العمومية إحدى التصرفات القانونية للإدارة التي تعتمدها لتصريف الشؤون الإدارية. فالإدارة
كأشخاص القانون الخاص يمكنها القانون من أن تبرم عقودا ، غير أنه إذا كان للأشخاص العاديين
حرية إبرام العقود والاتفاقات باستثناء تلك التي تخالف الآداب العامة والنظام العام
، فإنه بالنسبة للإدارة نجد أنه ليست لديها الحرية الكاملة في إبرام العقود والاتفاقات
حيث أخضعها المشرع المجموعة من القيود والشروط ، وعن مثل هذه القيود يعبر الأستاذ RIVERO، بأنه إلى جانب
الإدارة الآمرة توجد الإدارة المقيدة ، وإلى جانب السلطة العامة هنالك العبودية العامة.
سنتناول في هذا
المطلب الحديث عن الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة بصفة منفردة المنفصلة عن العقد
او في حالة القيام بأشغال خارج الشروط التعاقدية
(الفقرة الاول) والحماية القضائية لصاحب الصفقة في حالة رفض الإدارة تسليم الاشغال
وأداء المقابل المالي والعيوب بعد التسليم(الفقرة
الثانية).
الفقرة الاولى:
الحماية القضائية للمتعاقد مع الإدارة بصفة منفردة المنفصلة عن العقد أو في حالة القيام
بأشغال خارج الشروط التعاقدية .
تعد الحماية
القضائية للمتعاقد مع الإدارة مهمة لضمان حقوقه عند تنفيذ أشغال إضافية خارج الشروط
التعاقدية.
ففي بعض الأحيان،
تطلب الإدارة أعمالا إضافية لم تدرج في العقد، مما قد يؤدي إلى تكاليف غير متوقعة على
المتعاقد.
في هذه الحالة،
يُنظر في طبيعة الأشغال الإضافية، وهل هي ضرورية لإتمام المشروع ضمن المصلحة العامة،
وما إذا كانت تكاليفها تبرر تعويضا للمتعاقد.
يحق للمتعاقد
المطالبة بتعويض عن الأضرار أو النفقات الإضافية بناءً على مبدأ "التعويض الكامل"
في القضاء الإداري، الذي يأخذ بعين الاعتبار جميع الأضرار التي تعرض لها المتعاقد.
وقد يطالب أيضا بتعويض إذا تجاوزت الأشغال الإضافية نطاق العقد الأصلي، خصوصًا في حال
لم تكن الإدارة قد أوضحت الشروط بوضوح مسبقًا.
يلجأ المتعاقد
إلى المحاكم الإدارية للمطالبة بحقوقه، حيث يقوم القاضي الإداري بتقييم مدى استحقاقه
للتعويض بناءً على شروط العقد والأدلة المتاحة، وقد يصدر حكمًا يلزم الإدارة بدفع التعويض
أو تعديل بنود العقد.
مبدأ التعويض
الكامل في مجال الصفقات العمومية هو مفهوم قانوني يقضي بضرورة تعويض المتعاقد بشكل
كامل عن الأضرار والخسائر التي يتحملها جراء تنفيذ العقد، خصوصا في حالات غير متوقعة
أو ظروف استثنائية، وذلك لضمان استمرارية العمل وفق المصلحة العامة.
يعنى التعويض
الكامل بتغطية جميع التكاليف الإضافية أو الأضرار التي تكبدها المتعاقد نتيجة تنفيذ
الأشغال وفقًا لشروط العقد أو بسبب تغييرات أملتها الإدارة، ويشمل ذلك التكاليف المادية
والخسائر التي يمكن إثباتها أو تقديرها.
يتدخل القضاء
الإداري لتحديد مقدار التعويض في حال النزاع، ويأخذ بعين الاعتبار النفقات الفعلية
والخسائر التي لحقت بالمتعاقد والتي لم يكن بالإمكان تجنبها، إذ ينظر إلى التعويض كوسيلة
لتلافي إثراء الإدارة على حساب المتعاقد أو إلحاق ضرر به خارج إرادته.
الفقرة الثانية
: الحماية القضائية لصاحب الصفقة في حالة رفض الإدارة تسليم الاشغال وادء المقابل المالي
والعيوب التي تظهر بعد التسليم.
إن الصفقة العمومية
عقد مبرم بعوض، وهذا ما تؤكده المادة 4 من مرسوم الصفقات العمومية، كما يمكن أن تكون
الصفقة بثمن إجمالي، وحسب الفرع الثاني اثمان الصفقات من المادة 14 و15 يعطى فيه ثمن
جزافي لمجموع الأعمال التي تشكل موضوع الصفقة، أو بأثمان أحادية تكون فيها الأعمال
موزعة على وحدات مختلفة بناء على بيان تقديري مفصل يضعه صاحب المشروع، مع الإشارة بالنسبة
لكل وحدة من هذه الوحدات إلى الثمن الأحادي المقترح أو بأثمان مركبة تتضمن أعمالا يؤدي
جزء منها على أساس ثمن إجمالي والجزء الآخر على أساس أثمان أحادية.
إن أداء مقابل
الصفقة يجب أن يكون حسب الاتفاق ، إما بأداء دفعة مقدمة على أن يحصل المقاول على الباقي
كلما تقدم في المشروع ، أو أن يتم الاتفاق على استحقاق المقاول المقابل الصفقة بعد
إنجاز المقاول للأشغال المتفق عليها ، إلا أنه في هذه الحالة يحصل أن يقوم المقاول
بتنفيذ التزاماته تم تمتنع الإدارة عن الوفاء بعلة أو بدونها ، ففي هذه الحالة يجد
المقاول نفسه مضطرا للجوء إلى القضاء ، خاصة إذا لم تجد الطرق الحبية نفعا الصفقات
العمومية رقم 2-22-431 بتاريخ 8 مارس 2023.
الثمن الجزافي
هو مبلغ ثابت يتم تحديده مسبقًا ضمن عقد أو اتفاقية، بغض النظر عن التكاليف الفعلية
أو المتغيرات التي قد تؤثر على قيمة الصفقة أو الخدمة. يعتمد هذا النظام على تحديد
قيمة مالية نهائية ومتفق عليها منذ البداية، بحيث لا تتغير بناءً على تفاصيل أخرى كحجم
العمل أو كمية الموارد المستخدمة.
يُستخدم الثمن
الجزافي بشكل واسع في العقود التجارية والمقاولات والخدمات، ويهدف إلى توفير استقرار
ووضوح للأطراف المتعاقدة، مما يسهل عملية التخطيط المالي والتجاري، ويجنب أي تغييرات
مفاجئة في التكاليف أثناء التنفيذ.
استنادًا إلى
معطيات وأحكام قضائية متعددة، يتضح أن الاجتهاد القضائي المغربي يقر بمبدأ يمكن بموجبه
للمقاول الذي بدأ في تنفيذ العقد وصرف مبالغ مالية قد أفقرت ذمته المالية، أن يلجأ
إلى القضاء في حال امتنعت الإدارة عن أداء المقابل النقدي للصفقة بحجة عدم المصادقة
عليها. في مثل هذه الحالات، يمكن للمقاول المطالبة بالتعويض على أساس نظرية الإثراء
بلا سبب، كما ورد في قانون الالتزامات والعقود المغربي.
ويعتبر القضاء
الإداري أن الإدارة لا يمكنها أن تمتنع عن الوفاء بالمقابل المالي بعد أن بدأ المقاول
في تنفيذ الأشغال، مما يؤدي إلى وقوع ضرر عليه.
وبالتالي، يحق
للمقاول اللجوء إلى القضاء للمطالبة بتعويض الأضرار التي لحقت به نتيجة لإثراء الإدارة
دون سبب، خاصة إذا كانت قد استفادت من الأعمال المنجزة دون دفع المبالغ المستحقة للمقاول.
هذا الموقف يعكس
حرص القضاء على حماية حقوق المقاولين وضمان تنفيذ الالتزامات المالية من قبل الإدارة،
بما يحقق العدالة ويضمن عدم تحميل الأطراف المتعاقدة خسائر غير مبررة بسبب امتناع عن
الوفاء بالتزاماتها.
خاتمة
تُعد الصفقات
العمومية أداة جوهرية تساهم في تحقيق التنمية الشاملة، وقد شهد المغرب في الآونة الأخيرة
نهضة نوعية في هذا المجال، تماشياً مع خططه الطموحة لتنظيم كأس العالم 2030 حيث يمثل
هذا الحدث الرياضي العالمي فرصة هائلة لتعزيز البنية التحتية الوطنية، من خلال تفويت
العديد من الصفقات العمومية التي تستهدف تطوير المرافق الأساسية وتعزيز البنيات التحتية،
مما يتطلب شفافية عالية وحوكمة صارمة لضمان استخدام موارد الدولة بكفاءة. وتدعم هذه
الخطوات جذب الاستثمارات وتحقيق شراكات دولية، ما يساهم في تسريع عجلة النمو الاقتصادي
ويدعم مكانة المغرب على الساحة الدولية.
وبالإضافة إلى
مرسوم الصفقات العمومية الجديد وتوجيهات الخطابات الملكية، أُطلق المغرب البوابة الإلكترونية
للصفقات العمومية، التي تُعزز من الشفافية وتسمح للعموم بالاطلاع على المعلومات المتعلقة
بالصفقات، ما يضمن نزاهة التعاقد ويعزز المنافسة بين الشركات. تتيح هذه البوابة للمستثمرين
والمقاولين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بإجراءات التعاقد، وهو ما يمثل خطوة حيوية
في تعزيز الثقة بين القطاعين العام والخاص، وتوفير بيئة قانونية سليمة تشجع الاستثمارات
الوطنية والأجنبية.
كذلك، يلعب القضاء
المغربي دوراً أساسياً في تعزيز الأمن القانوني والقضائي كداعم رئيسي للتنمية، إذ يساهم
من خلال الرقابة القضائية في توفير الحماية القانونية للمتعاقدين، وضمان العدالة في
فض المنازعات، وإقرار التعويضات العادلة في حالة حدوث إخلال ما. ويدعم القضاء أيضاً
الاستثمار عن طريق حماية حقوق الأطراف وتوفير ضمانات قانونية تمكن المستثمرين من العمل
في مناخ يسوده الاستقرار والشفافية.
وبفضل تطور آليات
التحكيم ومؤسسات القضاء الإداري، بات المغرب يشهد نمواً في الثقة القانونية، التي تعزز
من جاذبية السوق المغربية للاستثمار الأجنبي.
وفي هذا السياق،
يأتي ميثاق الاستثمار الجديد ليكمّل هذه الجهود، حيث يسهم في تحقيق التوازن بين المصالح
العامة وحقوق المستثمرين، ويشجع على تفويت الصفقات العمومية المرتبطة بالمشاريع الكبرى
بطريقة تحترم معايير الشفافية والاستدامة. ويهدف الميثاق إلى تعزيز الجاذبية الاستثمارية
للمغرب من خلال إقرار حوافز وضمانات قانونية تدعم توجه البلاد نحو التنمية الاقتصادية
الشاملة وتحقيق نجاعة الاداء وزيادة الناتج الداخلي الخام .
ليست هناك تعليقات:
كتابة التعلقيات